للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقَوْله: {مِثْلُكُمْ} هذِه تَوكِيدٌ لمِعْنى البَشَريَّة، وإلَّا لَوِ اقتَصَر على إنَّما أنا بشَرٌ لكانَ مُقتَضى ذلِك أنْ يَكونَ مِثْلَنا ولا مخُالِفَ، لكِنَّه أكَّدَ هذا المَعنَى بِقوْلِه: {مِثْلُكُمْ} لَكِنَّه يَمتازُ بأنه: {يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} ... إلخ، هذا هُو المَيْزَة، والفرْقُ أنَّ محُمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - بشَرٌ يُوحَى إلَيْهِ.

وقَوْلُه: {يُوحَى} المُوحِي هُو الله، لِقولِ اللهِ تَعالَى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} [الشورى: ٧] , فالمُوحِي هُو اللهُ، وحُذِفَ لِلْعِلْم به، ورُبَّما يُقالُ: حُذِفَ لِلْعِلم به وَلِلتَّعْميمِ؛ لِأنَّ الله تَعالَى قدْ يُوحِي لنَبِيِّه - صلى الله عليه وسلم - بِواسِطَةِ جِبريلَ، وقدْ يُوحِي إلَيْه بِدُونِ واسِطةٍ.

والإيحاءُ هُو الإعْلامُ بسُرعةٍ وخَفاءٍ، يُسمَّى إيحاءً؛ ولِذلِك إذا كان إلى جَنْبك واحِدٌ، وأرَدْتَ أنْ تَسْألَه والدَّرْسُ مكْتَظٌّ بالطلَبةِ -وخِفْتَ أنْ يُسْمعَ إليكَ- فتكلِّمه ببطء وخُفْية؛ لِئَلَّا يُتَفَطَّنَ لَكَ؛ فكُلُّ إعْلام بسُرْعة وخُفيَة يُسَمَّى وَحْيًا، وإنَّما كان كذَلِك؛ لأنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُوحَى إلَيْه وعِنْدَه النَّاسُ جالِسُون لا يَدْرون ماذا قالَ الرَّسولُ.

وقَوْله: {يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} هَذه الجُملَة في محَلِّ رفْع نائِبِ فاعِلٍ؛ أي يُوحَى إلَيَّ هذا الخَبَر.

وقَولُه: {أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} {أَنَّمَا} أداةُ حَصْرٍ، وعلَى هَذا تَكون الجُمْلةُ مُتَضَمِّنةٌ لنَفْيٍ وإثْباتٍ؛ لأنَّ الحَصْرَ هُو إثْباتُ الحُكْمِ في المَذْكورِ ونَفْيُه عَن ما سِواه.

ومنْ طُرُقِ الحَصْرِ:

الأوَّلُ: الحَصْرُ بـ"إنَّما".

الثَّاني: النَّفيُ والإثْباتُ، مِثْلَ: لا قائِمَ إلَّا مُحمَّدٌ.

<<  <   >  >>