للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واحْذِفْ لَدي اجْتماعِ شَرْطٍ وقَسَمٍ ... جَوابَ ما أَخَّرتَ فَهو مُلتزَمٌ

فَهو: أَيْ هَذا الحذفُ.

قَولُه عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ}، آتَيناه لَكِنْ عَبَّر بِالإذاقةِ عَنِ الإيتاءِ؛ لأنَّ مَنْ ذاقَ شيئًا فَقدِ انتفعَ بِه، وَالإيتاءُ قَد يَنتفعُ بِه الإِنسانُ وَقَدْ لا يَنتفعُ، فَإِذا أَعطيتُكَ خُبْزةً مَثلًا قَد تَنتفعُ مِنهَا وقَد لا تَنتَفعُ، يَعني: قد تَأكلُها وقَد لا تَأكلُها لَكنْ إِذا ذُقتَها فَقد أَكلْتَها وَانتفعتَ بِها؛ فَلِهذا عَبَّر عَنِ الإِتيانِ بِالإذاقةِ؛ لأنَّه أَبْلغُ في المَماسَّةِ وَفي الِانتفاعِ.

وقَولُه: {رَحْمَةً مِنَّا} فَسَّر المفسِّر رَحِمَهُ اللهُ الرَّحْمةَ بِأنَّه الغنَي وَالصِّحَّةُ، وهذا مثالٌ ولَيس هو الحصرَ، بَل تَشمَلُ الرَّحمةُ كُلَّ ما هو مَطلوبٌ لِلْإنسانِ مِن غِنًى وَصِحَّةٍ وَجاهٍ وأَمْوالٍ وبَنينَ وغَيرِ ذَلِكَ.

وقَولُه: {مِنَّا} إِشارةٌ واضحةٌ إِلَى أَنَّ هَذه الرَّحمةَ لَيْست بكَسبِه ولكنَّها فَضْلٌ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَالغِنَي أَتاه مِن حيث لا يَحتسِبُ، والصِّحَّةُ أتتْهُ مِن حيثُ لا يَحتسِبُ، والبَنونَ وغَيرُهم، هي مِن عندِ اللهِ، وَواضحٌ أَنَّها مِن اللهِ ولَيستْ بِكَسبِه.

وقَولُه: {مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ} رَحمَةٌ مِنْ بَعدِ ضَرَّاءَ يَعني: مَعناه أَنَّه تَيَقَّنَ الضَّررَ ثُمَّ جاءتِ الرَّحمَةُ مِن عِندِ اللهِ، وهَذا أَبلغُ في النِّعمَةِ أَنْ تَأتيَ بَعدَ الضَّررِ؛ لأنَّ النِّعمةَ الدَّائمةَ لا يَحسُّ بِها، لَكنَّ النِّعمةَ الطَّارئةَ بَعدَ الضَّررِ هي الَّتي يَحسُّ بِها؛ ولهِذا مَنْ لَمْ يَذُقْ مَرارةَ المَرضِ، فَإِنَّه لا يَتذوَّقُ حَلاوةَ الصِّحَّةِ حتَّى في الأُمورِ الشَّرعيَّةِ، قالَ عُمرُ بنُ الخطَّابِ - رضي الله عنه -: لا يَنقُدُ الإسلامَ إِلَّا مَن لَمْ يَعرِفِ الجاهليَّةَ (١) أو كَلِمةً نَحوَها.


(١) انظر: مجموع الفتاوي (١٠/ ٣٠١).

<<  <   >  >>