للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَعْني: الَّذي لا يَعرفُ الكُفْرَ لا يَعرفُ قَدرَ الإيمانِ، كَذلكَ أيضًا الرَّحمَةُ إِذا كانت مُستديمةً مُستمِرَّةً لا يَحسُّ بِها الإِنسانُ، لَكنْ إِذا جاءَت مِن بَعدِ الضَّررِ أَحسَّ بها وذاق لَها طَعمًا، وأَضْرِبُ لَكُمْ مثلًا الآنَ في النَّفَس، النَّفَس نِعمةٌ كَبيرةٌ مِن أَكْبرِ النِّعَمِ، الإنسانُ لا يَحسُّ بِه، ما دامتِ النِّعمةُ مُستَمِرَّةً لكن لو أُصيبَ بِكَتمِ النَّفَس وحَجْبِهِ ثُمَّ فُرِجَ عَنْهُ لَوَجَدَ لهِذا النَّفَسِ نِعْمةً عَظيمةً وأثرًا عَظيمًا، كَذلكَ المَرضُ فَالإنسانُ الصَّحيحُ المُستمرُّ في صِحَّتِه لا يَعرِفُ قَدْرَها لكن لو مَرِضَ ثُمَّ شُفِيَ تَبَيَّنَ له قَدْرُ النِّعمَةِ.

وَالرَّحمةُ الَّتي ذَكرها اللهُ هنا رَحمةٌ مِنْ بَعدِ الضَّرَّاءِ، فَيكونُ لها أثرٌ بالغٌ أَعظمُ مِمَّا لو كانتِ الرَّحمةُ مُستمرَّةً.

إذا أَذاقَه اللهُ عَزَّ وَجَلَّ رَحمةً من عندِه مِنْ بَعدِ الضَّرَّاءِ {لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي}، {هَذَا} جوابُ القَسَمِ، يَعني: يَقولُ هَذا لِي.

قَولُه تَعالى: {هَذَا لِي} أَيْ: هَذا بِعَمَلي فَتَكونُ اللَّامُ بمعنى مِنْ؛ أي: هذا مِنِّي وليس مِن اللهِ، وقيل: اللَّامُ للاستِحقاقِ، يَعني: أَنِّي مُستحِقٌّ له فَلا مِنَّةَ للهِ عَلَيَّ به لأنِّي له أَهلٌ، فأنا حَقيقٌ به، المفسِّر مَشَي على القولِ الأوَّلِ وهو أنَّ اللَّامَ بمعنى مِن؛ أي: لَيَقُولَنَّ هذا مِنِّي وأَنا الَّذي اكْتَسبتُه أَنا الَّذي اتَّجرْتُ، وما أَشبهَ ذلك. القولُ الثَّاني: يَقولُ: هَذا مِنَ اللهِ. لكن لا مِنَّةَ له عَلَيَّ به؛ لأنِّي مُستحِقٌّ له، والآيةُ تَحتَملُ هذا وهذا.

والقاعدةُ في التَّفسيرِ: أَنَّه إِذا كانت الآيةُ تَحتَملُ مَعنيينِ لا يُنافي أَحدُهما الآخرَ، فإنَّها تُحملُ عَليهما جَميعًا إِذا لَمْ يُوجَدْ مُرَجِّحٌ لِأحدِهما.

<<  <   >  >>