للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال اللهُ تَعالَى: {لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} نَسأَلُ اللهَ العافيةَ، يَعني: ظَنَّ أَنَّه مخُلَّدٌ لمَّا جاءَته هَذه الرَّحمةُ قال: إذن لا بَعْثَ ولا جَزاءَ، {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} ثُمَّ قال: {وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى} يَعني: عَلى فَرضِ أَنْ تَقومَ السَّاعةُ وأُرَدُّ إِلَي اللهِ، فإنَّ الَّذي نَعَّمَني في الدُّنيا سَيُنعِّمُني في الآخرةِ؛ ولهِذا قال: {وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى}، يَقُولُ المفسِّرُ رَحِمَهُ اللهُ: [أَي: الجنَّةَ].

نَقولُ في إِعرابِ: {وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي} ما قُلناه في: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ}؛ لأنَّه اجْتمعَ قَسَم وشَرْطٌ، وتَأخَّر الشَّرطُ فَحُذِفَ جَوابُه وبَقِيَ جَوابُ القَسَمِ في قَولِه: {إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى} فتَجِدُ هذا الرَّجلَ مِن غرورِه -وَالعِياذُ بِاللهِ- أَنَّه أكَّدَ بِالقَسَمِ و {إِنَّ} و (اللَّامُ) القَسَمُ في قولِه: {وَلَئِنْ} و {إِنَّ} في قولِه: {إِنَّ لِي} واللَّامُ في قولِه: {لَلْحُسْنَى} فَهو أَكَّدَ أَنَّه علي فَرْضِ أَنْ يَرجِعَ إِلَي اللهِ فَسيجِدُ الحُسنى وهي الجنَّةُ كما قال المفسِّر رَحِمَهُ اللهُ، وأَخَذَ المفسِّر هذا التَّفسيرَ مِنْ تَفسيرِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في قَولِه تَعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: ٢٦] حَيثُ قَالَ: "إِنَّ الحُسنى الجنَّةُ والزِّيادةُ النَّظَرُ إلي وَجهِ اللهِ" (١).

إذن هذا الرَّجلُ مَغرورٌ في غايةِ الغُرورِ:

أوَّلًا: أنَّه أضاف النِّعمةَ الَّتي حَصلَتْ له في الدُّنيا أَضافَها إِلَي نَفْسِه، إمَّا مُباشرَةً هو الَّذي حصَّلَها من دونِ اللهِ، وإمَّا لأَنَّه مُستحِقٌّ لها فلا فَضْلَ للهِ عليه بها.

الغُرورُ الثَّاني: أَنَّه أَنكرَ البَعثَ لِقولِه: {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً}.


(١) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، رقم (١٨١)، من حديث صهيب - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>