للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَلِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ حينَ تَكلَّم بِها وأَوحاها إِلي جِبريلَ يُعتبرُ خَلَقَ صَوتًا ليس له مَعنًى؛ لِأنَّه مخَلوقٌ مِنَ المخلوقاتِ.

واللهُ عَزَّ وَجَلَّ فَرَّق بَينَ الخلقِ والأمرِ فَقالَ: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: ٥٤] وكَذَلكَ: {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى: ٥٢] ولَم يَقُل: مِن خَلقِنا.

فالقائلونَ بِأنَّ القرآنَ كَلامُ اللهِ لكنَّه مَخلوقٌ قد عَطَّلوا الشَّرائِعَ نِهائيًّا، إِذ إِنَّه لَيس هُناكَ أَمرٌ ولا نَهيٌ.

وهُناكَ قَولٌ آخَرُ لِلأشاعِرَةِ يَقولونَ: إِنَّ القُرآنَ كَلامُ اللهِ، لكنَّه أي: الكلامُ هو المعنَى القائمُ بِنفسِهِ أَمَّا ما سَمِعَه جِبريلُ فَإنَّه مَخلوقٌ، فالقُرآنُ عندهُم كَلامُ اللهِ لَكِنَّ كَلامَ اللهِ هو المعنَى القائِمُ بِنفسِه، وأَمَّا ما يُسمَعُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمُناجاتِه موسَى وكَلامِه بِالوحيِ إلي جِبريلَ فَإِنَّه مَخلوقٌ عِبارةٌ عَنِ المعنَى القائِمِ بالنَّفسِ.

وهذا المعنَى أَشدُّ وأَخبثُ مِن قَولِ المُعتزلَةِ، لِأنَّ المُعتزِلَةَ يَقولونَ: ما نَقرأُه في المَصاحفِ كَلامُ اللهِ حقًّا، والأشاعِرَةُ يَقولونَ: عِبارةٌ عَن كَلامِ اللهِ ولَيس كَلامَ اللهِ، والكلُّ مُتَّفِقونَ عَلى أنَّ ما نَقرأُه في المَصاحفِ مخَلوقٌ، لكنَّ المُعتزِلَةَ يَقولونَ: هو كَلامُ اللهِ، والأَشعريَّةُ يَقولون: عِبارةٌ عن كَلامِ اللهِ، فصاروا مِن هَذهِ النَّاحيةِ أَخبثَ وأَشَرَّ مِنَ المُعتزِلَةِ والجهميَّةِ.

أَمَّا نَحنُ فَنُؤمنُ بِأنَّ ما كُتِبَ في المَصاحفِ وحُفِظَ في الصُّدورِ فَإنَّه كَلامُ اللهِ وهو غَيرُ مَخلوقٍ.

فإن قالَ قائلٌ: أَرَأَيتَ القارئَ يَقرأُ نَسمَعُ صَوتَه بِالقراءَةِ هَل هذا الصَّوتُ مَخلوقٌ أو غَيرُ مَخلوقٍ؟

<<  <   >  >>