للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلنا: هو مَخلوقٌ؛ لِأنَّ صَوتَ الإِنسانِ وَصفٌ مِن أَوصافِه فَهو مَخلوقٌ كَأصلِه لَكِنَّ الملفوظَ بِهِ والمُصَوتَ بِه غَيرُ مَخلوقٍ، وهُناكَ فَرقٌ بَينَ الصَّوتِ والنُّطقِ وبَينَ المُصوَّتِ به والمَنطوقِ به، فأَنا لَو قَرأتُ كِتابًا ألَّفَه عالِمٌ مِنَ العُلماءِ فالصَّوتُ صَوتي لَكِنَّ المَقروءَ لِلعالِم الَّذي كَتَبَ الكِتابَ؛ ولهِذا قالَ شَيخُ الإِسلامِ رَحِمَهُ اللهُ في كِتابِه العقيدةُ الواسطيَّةُ: الكلامُ إِنَّما يُضافُ حَقيقةً إلى مَن قالَه مُبتَدئًا لا إلي مَن قالَه مُبَلِّغًا مُؤَدِّيًا (١).

فَلَو أَرادَ الإِنسانُ أَن يَستَفصِلَ، هَل لَفظُ الإِنسانِ بِالقُرآنِ مَخَلوقٌ أو لا؟

نَقولُ: لَفظُه الَّذي هو تَلَفَّظَه مَخلوقٌ؛ لِأنَّه حَركاتُ الإِنسانِ وشَفَتَيه وصَوتِه، وأَمَّا المَلفوظُ بِه فَإِنَّه كَلامُ اللهِ غَيرُ مخَلوقٍ، وَيدُلُّ لهِذا أَنَّ اللهَ تَعالَي قالَ في القُرآنِ الكريمِ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠)} [التكوير: ١٩، ٢٠] الرَّسولُ هُنا جِبريلُ، وَقالَ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ} [الحاقة: ٤٠، ٤١] الرَّسولُ هُنا محُمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ولا يُمكنُ أَن يَكونَ كَلامٌ واحدٌ لمُتكَلِّمَينِ اثنَينِ لَكن أَضافَه إِليهِما لِأنَّهما رَسولانِ مُبَلِّغانِ عَنِ اللهِ؛ ولِهَذا قال: {لَقَوْلُ رَسُولٍ} في الآيتَينِ.

وذُكِرَ عَنِ الإِمامِ أَحمَدَ رَحِمَهُ اللهُ أنَّ مَن قال: لَفظي بِالقُرآنِ مخَلوقٌ فَهو جَهميٌّ، ومَن قالَ: غَيرُ مَخلوقٍ فَهو مُبتدِعٌ (٢)، هكذا رُوِيَ عنه، وفي رِوايةٍ: مَن قالَ: لَفظي بِالقُرآنِ مخَلوقٌ يُريدُ القُرآنَ فَهو جَهميٌّ، ومَن قال: غَيرُ مَخلوقٍ فَهو مُبتدِعٌ (٣).


(١) العقيدة الواسطية (ص: ٩٠).
(٢) انظر: سيرة الإمام أحمد لابنه صالح (ص: ٧٠)، والكامل لابن عدي (٣/ ٢٤١)، طبقات الحنابلة (١/ ٧٥).
(٣) انظر: مجموع الفتاوي (١٢/ ٧٤).

<<  <   >  >>