للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأنَّ يَغفِرَ مُتضمِّن لِلوِقايةِ والسَّترِ.

وعلَى هذا فكُلَّما طَلَبتَ المَغفِرةَ استَحضِرْ أنكَ تُريدُ مِنَ اللهِ عَزَّ وجلَّ أنْ يَتجاوزَ عَنك فَلا يُعاقِبكَ، وأنْ يستُرَ ذَنْبكَ؛ إذنْ: قوُله: {وَاسْتَغْفِرُوهُ} أيِ اطْلُبوا مِنه المَغْفِرةَ، وهِي سَتْرُ الذَّنبِ والتَّجاوزُ عنه.

وقولُه رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَوَيْلٌ} كلمةُ عذابٍ {لِلْمُشْرِكِينَ}] "ويلٌ" هذِه مُبتَدأٌ، وسوَّغَ الابْتِداءَ بِها وهِي نَكِرة أنَّها للتَّهدِيدِ، فهِي كلِمةُ وعيدٍ وتهديدٍ، وقِيلَ: إنَّها وادٍ في جَهنَّمَ، ولكنَّ الأصحَّ الأوَّلُ: أنَّها كلِمةُ تَهديدٍ ووعيدٍ لكلِّ مَن خالَفَ.

وقولُه: {لِلْمُشْرِكِينَ}؛ أي: المُشرِكين باللهِ عَزَّ وجَلَّ سَواءٌ كانَ إشراكُهم في العُبُوديَّة أو في الألوهيَّةِ، أو في الأسْماءِ والصِّفاتِ؛ فمَنِ ادَّعى أنَّ مَع اللهِ خالقًا أو مُعيَّنًا أو مُستَقِلًّا بِخلْقِ بعضِ الأشياءِ فَهُو مُشرِكٌ، ومَنْ عَبَدَ مَع اللهِ غَيرَه أو راءَى بِعِبادتِه غيرَه فهُو مُشرِكٌ، ومَن زَعَمَ أنَّ صِفاتِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ مُماثِلةٌ لِصفاتِ المَخْلُوقين فهُو مُشرِكٌ.

واعْلَمْ أنَّ الشِّركَ يَنْقسِمُ إلى قِسْمين: أصْغَرَ وأكْبَرَ. ومِن وجْهٍ آخرَ إلَى: خفِيٍّ وجليٍّ، وكلُّ هذا مَعلُومٌ في كُتُبِ التَّوحِيدِ والعَقائدِ.

وقولُه تَعالَى: {الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: ٧] هذه صِفةٌ للمُشرِكين، وقولُه: {الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ}؛ أيْ: لا يُعطُون الزَّكاةَ، والزَّكاةُ هنا يَحتَمِلُ أنْ تَكونَ زَكاةَ النَّفْسِ، ويحتَمَلُ أنْ تكونَ زَكاةَ المالِ، فإنْ كانتْ زكاةَ المالِ ففِيه إشْكالٌ؛ لأنَّ ظاهِرَها يَقْتَضي أنَّ الكُفَّار يلزَمُهم إخْراجُ الزَّكاةِ، ومَعْلُومٌ أنَّ إخْراجَ الزَّكاةِ لا يُطالَبُ به العَبْدُ حتَّى يُسلِمَ؛ لِقَوْل النَّبي - صلى الله عليه وسلم - لمُعاذٍ - رضي الله عنه -: "إنَّكَ تَأتِي قومًا أهلَ كِتابٍ، فَليَكُن أوَّلَ ما تَدْعُوهم إلَيْه تَوحيدُ اللهِ، ثمَّ ادْعُهم إلى الصَّلاةِ، ثمَّ ادْعُهم إلى

<<  <   >  >>