للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الباءَ، والَّذي يُناسبُ الباءَ هُنا: يَرْوَى بِها عِبادُ اللهِ، يَعنِي: أنَّها عَينٌ تَروِي.

وأيُّهما أحسَنُ وأسهَلُ؟

الجَوابُ: أمَّا إذا قُلْنا إنَّ الباءَ بِمَعنى (مِن) فَهي سَهْلةٌ؛ لأنكَ تقَدِّرُ أيَّ حرْفٍ مُناسبٍ وَينْتَهي المَوضُوعُ، لكِنَّا إذا قُلنا إنَّ الباءَ على بابِها، وإنَّ الفِعْلَ ضُمِّنَ مَعْنًى يَتَناسَبُ مَعها، فحِينئذٍ قد يَصْعُبُ على الإنسانِ أنْ يُقدِّرَ الفِعْلَ المُناسبَ، لكنْ نَقولُ: إنَّ تَضْمينَ الفِعلِ مَعنًى مُناسِبًا للْحَرفِ أوْلَى.

وبَيانُ ذلِك: إذا قُلْنا: يَشْرَبُ بها عِبادُ اللهِ، فإنَّ الباءَ بِمعنى (مِن)، لم نستفِدْ فائِدة لاستِعارةِ الباءِ بدَلَ "مِن"، إذَنْ: فإتيانُنا بهذا الحرْفِ يُوجبُ بعْضَ الإشْكالِ، فنكُونُ قدْ تضرَّرْنا، فضْلًا عن كَونِنا لم نسْتَفِد؛ لأنَّ كَوْنكَ تضَعُ حرْفا بدلَ حرْفٍ بِدُونِ مُوجِبٍ، فإنَّ هذا يُوجِبُ التَّشْويشَ والإيْهامَ، لكنْ إذا ضَمَّنَّا الفِعْلَ معْنًى يتَناسَبُ مَع الحرْفِ ازدَدْنا فائِدةً، فإنَّ قولَك: إنَّ التَّقديرَ "يَرْوَى" بِها، يتَضمَّنُ الشُّربَ الَّذي ذُكِرَ، ويتضَمَّنُ الرِّيَّ، فاسْتَفَدنا فائِدَةً.

وهَذا الرَّأيُ -أعنِي: أنَّ الفِعْل يتَضَمَّن معنًى يُناسبُ الحرْفَ- هُو الَّذي ذهَبَ إلَيْهِ البَصْرِيُّون، وهو اختِيارَ شيْخِ الإسْلامِ ابنِ تيْمِيَةَ (١) رَحِمَهُ اللَّهُ لهِذِه الفائِدة الَّتي ذَكَرنا.

وأرْجُو دائمًا منَ الطّلابِ أنْ يَفهَموا هذِه الفُروقَ الدَّقيقةَ؛ لأنَّها تَشْحَذُ الذِّهنَ مِن وَجْهٍ، وتَفْتحُ آفاقًا بَعيدَةً لِفَهمِ المَعاني، وزِيادَةِ الِاستِفادةِ مِن وَجهٍ آخَرَ.

وقَوله: {وَاسْتَغْفِرُوهُ} اطْلُبوا مِنه المَغْفِرةَ، والمَغفِرةُ تَتضَمَّنُ شيئَيْن؛ سَتْرَ الذَّنْبِ، والعَفوَ عَنه؛ لأنَّها مَأخُوذَةٌ منَ المِغْفَرِ وهُو ما يَلبَسُه المُقاتِلُ على رأسِه يتَّقي به السِّلاحَ،


(١) انظر: مجموع الفتاوى (٢١/ ١٢٤).

<<  <   >  >>