للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كلِّ مَن طلَبَ منَ الرَّسولِ -صلَّى اللهُ علَيهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ- أنْ يَشفَعَ له، فيقِفُ عِندَ قبرِه ويقُولُ: يا رسُول الله، اشْفَعْ لِي! ! فإنَّ هذا لا يجوزُ، لأنَّه اعْتِداءٌ في الدُّعاءِ، حيثُ يَطلُبُ الإنْسانُ ما ليْسَ له، ولا يُمكِنُ للرَّسُولِ أنْ يَفعَلَه -صلَّى اللهُ علَيهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ- لأنَّه ماتَ، وإذا ماتَ ابنُ آدَم انقَطَعَ عمَلُه، لا بالدُّعاءِ وَلا غيْرِه.

فإنْ قالَ قائِلٌ: بَعضُ النَّاس يَذهَبون إلَى قبْرِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ويدْعُون اللهَ هُناك وَيَستَدِلُّون بِقول اللهِ تَعالَى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} , وَيَقولُونَ: إنَّ هذِه الآيةَ لا تدلُّ على الخُصُوصيةِ، وما ذَنبُ مَن يَأتون مِن بَعْده أنَّه لا يَستَغفِرُ لهُم النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -؟

فالجَوابُ: هذا داخِلٌ في قولِه تَعالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران: ٧] إنَّ الَّذي قال له: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [النساء: ٦٤] , يتَحدَّث عَن قومٍ معيَّنِين، بِدلِيلِ قولِه: {إِذْ ظَلَمُوا}، و"إذ" لِما مَضَى، وقولُه: {جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} يعني استَغْفَرتَ لهم، لكنْهُنا أظْهَرَ في مَقام الإضْمارِ؛ تَعظِيمًا لشَأنِ الرَّسولِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وبيانًا لأَنَّه أقرَبُ مِنهم إجابَةً، ثمَّ قال: {لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (٦٤) فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: ٦٤ - ٦٥] إلى آخرِه؛ ولم يقلْ:

ولو أنَّهم إذا ظَلَموا أنفُسَهم، فإنَّه لو قال: إذا ظَلَموا قُلْنا: هَذه لَهم ولغَيرهم، ولكِن قال: {إِذْ ظَلَمُوا}.

ثمَّ إنَّ استِغفارَ الرَّسُولِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْد مَوْتِه مُستَحيلٌ؛ لأنَّ الِاسْتغفارَ عَمَلٌ، والعَمَلُ قدِ انقَطَعَ بموْتِه.

ثمَّ إنَّ هؤُلاء ليْسُوا أفقَهَ في كِتابِ اللهِ، وليْسُوا أعلَمَ بِحالِ رسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ

<<  <   >  >>