للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصَّحابةِ - رضي الله عنهم - فهل أحدٌ مِنهُم جاءَ إلَى قبْرِ الرَّسُولِ، قال: يا رَسُول الله استَغْفِر لي؟ .. أبدًا! بلْ إنَّهم لمَّا أُصِيبُوا بالجدْب لم يَقولوا: يا رسُول الله، هلَكَتِ الأْمْوالُ وانقَطَعتِ السَّبلُ، فادْعُوا اللهَ يُغيثُنا، مَع أنَّهم إلى جَنْبه، بل هُم استَغاثُوا، ودعَوُا الله، وطلَبَ عمَرُ منَ العبَّاسِ، أنْ يدعُوَ اللهَ عَزَّ وجلَّ (١).

ولكِنْ لا بدَّ لكلِّ ذي باطِلٍ أنْ يجِدَ شُبهةً في الكِتابِ والسُّنَّةِ، وهَذا مِن حِكمةِ الله عَزَّ وجلَّ وابتلائه وامتِحانِه، ولكِن كما قال شَيْخُ الإسْلامِ رَحِمَهُ اللَّهُ في كِتابِه (دَرْء تَعارضِ العَقْلِ والنَّقْلِ) وِفي (فتاواه) أيضًا؛ يقولُ: "كلُّ إنْسانٍ يَستدِلُّ بدَليلٍ صَحيحٍ مِنْ كِتابٍ أو سُنَّةٍ على باطِلٍ، فإنَّ هذا الدَّليلَ دَليلٌ على إبْطالِ باطِلِه لا على إثْباتِ باطِلِه"؛ والدَّليلُ قَولُ اللهِ تَعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: ٤٢].

الْفَائِدَةُ الثَّامِنةُ: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قدْ يَنْسى؛ لأنَّ هذا مُقتَضى البَشَريَّةِ، وكما حقَّقَ ذلِك في قولِه: "إنَّما أنا بشرٌ مِثْلُكم أنْسى كما تَنسَوْن" (٢) إثْباتِ باطِلِه.

الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: أنَّ النَّبيَّ - صلى اللهُ علَيْه وعلَى آلِه وسلَّم- يجتَهِدُ، ورُبَّما يُخطِئ في اجتِهاده؛ لأنَّ هذا مُقتَضى البَشرِية، وكما هُو الواقِعُ في مِثلِ قوْلِ اللهِ تَعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة: ٤٣] , وفي قولِه تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (٢) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ


(١) أخرجه البخاري: كتاب الاستسقاء، باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا، رقم (١٠١٠)، من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب الصلاة، باب التوجه إلى القبلة، رقم (٤٠١)، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له، رقم (٥٧٢) من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>