للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (٤) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (٧) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (٨) وَهُوَ يَخْشَى (٩) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى} [عبس: ١ - ١٠].

ولكنه - صلى الله عليه وسلم - يَمتازُ عن غيره: في أنه لا يُقَرُّ على خطأٍ -ولو بالاجتِهادِ- بخلافِ غيرِه، فقدْ لا يُذكَّرُ ولا يَذْكُرُ إذا نَسِي، وقد لا يُعَلَّمُ ولا يَعْلَمُ إذا جهِلَ، يعني: خطؤُنا نحنُ قد نَستمرُّ عليه دون أن نُنبَّه له أو أن نَنْتَبِه، لكنَّ الرَّسولَ - صلى الله عليه وسلم - لا يُمكنُ أنْ يُقَرَّ على خطأ، ولا يمكنُ أن يُقَرَّ على نِسيانِ ما يجبُ، بل لا بدَّ أن يَتنبَّه أو يُنبَّه.

الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ: إثْباتُ رِسالَةِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ علَيهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ- تُؤخَذُ مِن قولِه: {يُوحَى إِلَيَّ}؛ لأنَّ الوَحْيَ لا يَكون إلَّا لنَبىٍّ.

فإنْ قالَ قائلٌ: كَيفَ تَقُولون: إنَّ الوَحيَ لا يَكون إلَّا لِنبيٍّ، وقدْ أوحَى الله تَعالَى إلَى غيرِ الإنْسانِ فَقال الله تَعالَى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا} وقال تَعالَى في غيْرِ الأنْبِياءِ: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} [القصص: ٧]؟

قُلنا: هَذا الإشْكالُ لا يَرِدُ إلَّا على مَنْ لا يُفرِّقَ بينَ مَعاني الوَحيِ، فأمَّا مَن فرَّقَ بينَها، وقالَ: إنَّ الوحْي إمَّا أنْ يَكونَ بشَرْعٍ، وإمَّا أنْ يَكونَ بغيْرِه، فإنْ كان بشَرْعٍ فهَذا لا يكُونُ إلَّا للرُّسُلِ أوِ الأنبِياءِ، وإنْ كانَ بغَيْرِ الشَّرِع فإنَّه يكُونُ مِن بابِ الإلْهامِ، فيَكونُ قوله تَعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل: ٦٨] أي: ألْهمَها أنْ تتَّخِذَ مِنَ الجِبالِ بُيوتًا .. إلَى آخِرِه، وكذَلِك قوله تَعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} يَعنِي: وحْي إلْهامٍ، وبذلِك يَزولُ الإشْكالُ.

مسْألة: في تَعريفِ النَّبيِّ أنَّه مَنْ أُوْحي إليْه ولَم يُؤمَرْ بالتَّبْليغِ، فَإذا قال قائِلٌ: كَيف ونَحنُ -أُمَّةَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لمْ يُبلَّغ إلَيْهم، ومَع ذلِكَ أُمِروا بالتَّبْليغِ؟

<<  <   >  >>