للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجَوابُ: هذِه مسْألة تنْبَني على اختلافِ العلماءِ، في مَن هو "النَّبيُّ" ومَن هو "الرَّسول"، فجُمهورُ العُلَماءِ على أنَّ الرَّسولَ هُو مَن أُوحي إلَيه بالشَّرعِ وأُرسِلَ به، وأُمِرَ أنْ يُبلِّغَه؛ وأمَّا النَّبيُّ فهُو مَنْ نُبِّئَ أي: أُخبِرَ، والإخْبارُ لا يلْزَمُ مِنه التَّكلِيفُ بالإبْلاغِ؛ فهُو مَن أُوحِيَ إلَيْه بشَرْعِ ولَم يُؤمَرْ بتَبلِيغِه، بلْ أُمِرَ أنْ يفْعَلَه بنَفْسِه، فيَكونُ هذا الإنْباءُ تجديدًا للرِّسالَةِ السَّابقةِ، أو إنْشاءً لِشرِيعة لَم تكن قائِمةً.

وهَذا هو الَّذي قالَه الجُمهورُ وهو الصَّحيحُ؛ لأننا لو قُلنا: إنَّ النَّبيَّ هو من جدَّدَ شريعةً سابِقةً وأمَرَ أنْ يُبلِّغَ النَّاسَ وأنْ يُوقِظَهم. لو قُلنا: النَّبيُّ هو هَذا لَأَشْكلَ علينا نُبوَّةُ آدَمَ عليهِ السَّلام، فإنَّ آدمَ نبيٌّ مُكلَّمٌ، ومع ذلِك لم يَسبِقْه رسُولٌ.

فإنْ قال قائلٌ: ما الفائدَةُ إذنْ؟

قُلنا: الفائدةُ؛ أوَّلًا: مَصلَحةُ هَذا النَّبيِّ هو بنفْسِه فإنَّه أوحِيَ إلَيه بشَرْعٍ.

ثانيًا: أنه إنْ كانَ في شَريعةٍ سابقةٍ، فهُو عِبارةٌ عَن تَجديدِ تِلكَ الشَّريعةِ، وإنْ كان في غيرِ شريعةٍ سابقةٍ كآدمَ، فإنَّ النَّاسَ في عهدِه بدائيُّون لم يكثروا ولم يختلفوا ولم تُفتَحْ عليهِم الدُّنيا، فكانوا يَنظُرون إلى ما يَفعَلُه أبوهم فيَفعَلونه، دُون الحاجَةِ إلى أنْ يُرسَلَ إلَيهم؛ ولهَذا قالَ الله تَعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} [البقرة: ٢١٣] يَعني فاختَلَفوا؛ {وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ}.

فيَتَرجَّحُ عندي قولُ جمهُورِ العلَماءِ: أنَّ "النَّبيَّ" هو مَن أُوحِي إليه بالشَّرعِ، ولم يُؤمَرْ بتبْلِيغِه؛ وأمَّا نحْن فلمَّا لم يَكُنْ بعدَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نبيٌّ صِرْنا مأمُورين بإبْلاغِ رِسالتِه، فنَحن -في الحقِيقةِ- رُسلُ رسُولِ الله؛ ولهِذا جاءَ في الحَديثِ: "أنَّ العُلماء

<<  <   >  >>