للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَسْألةٌ: قِيلَ في قَولِه تَعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ}: إنَّهم يَقرَؤُونها: "أهِنَّكُم"؛ فَإذا ثَبتتِ القِراءةُ بالهاءِ، فَهذا يُعتَبرُ إبْدالًا ولَيس بِتَسهِيل، إبْدال الهَمزَةِ هاءً.

فإنْ قِيلَ: بعضُ النَّاسِ يَنطِقون التَّسْهيلَ كأنَّه هاءٌ!

فالجَوابُ: بعضُ النَّاسِ يتَشدَّدُ في التَّسهيلِ حتَّى تَكونَ هاءً، وربَّما يتَشدَّدُ آخَرُ حتَّى تَكونَ حاءً حقِيقةً؛ لأنَّ بعضَ النَّاس -الله يهدِينا وإيَّاهم- يَفعَلُ هذا عِندَ القِراءَةِ وقَد أنكَر هَذا شَيخُ الإسْلامِ رَحِمَهُ اللَّهُ في (فتاواه) (١) وغيْرِها هَذا التَّشدُّدَ في تَحقِيقِ بعْضِ القِراءاتِ، فبَعْضُ النَّاسِ -مثَلًا في القَلقَلةِ-: يُقلْقِلُ كأَنَّه يُقلْقِلُ حصاةً أو حَجرًا؛ يَعني يُؤكِّدُ على الحَرفِ كَثيرًا.

والحَقيقَةُ: أنَّ التَّنطُّعَ ليسَ بحَسَنٍ، والإهْمال ليس بحَسَنٍ، وخَيرُ الأمُورِ الوَسَطُ.

وقولُه تَعالى: {لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} تَكْفُرون به؛ أي: تَجحَدونَه وتَستكبِرون عن عِبادَتِه؛ لأنَّ الكُفرَ كلَّه يدُورُ على شَيئَينِ: إمَّا جَحدٌ، وإمَّا استِكبارٌ، فمَثلًا الشَّيطانُ إنَّما كفَرَ بالاستِكبارِ، وإلَّا فهُو مُقِرٌّ باللهِ وبعِزَّةِ الله وبقُدرَةِ اللهِ، لكِنه استكبَرَ، وآلُ فِرعَونَ ومَن شابَهَهم كَفروا بالجُحودِ، فمَدارُ الكُفرِ كلِّه على هَذين الأمْرَين: الجَحدِ أو الاسْتِكبارِ، فقَوله: {لَتَكْفُرُونَ} يَشمَلُ المعنيَيْن؛ لأنَّهم جَحدوا تَوحِيدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ واستكبَروا عَن عِبادَتِه.

وقال تَعالى: {بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} ولم يَقُلْ: بالله، بلْ أَتَى بفِعلٍ مِن أفعالِه جَلَّ وَعَلَا بفِعْل لا تَقدِرُ علَيه هَذه الأصْنامُ، والإتْيانُ بالفِعلِ الَّذي لا تَقدِرُ علَيه الأصْنامُ،


(١) انظر: جامع المسائل لابن تيمية (٣/ ٣٠٣ - ٣٠٥)، والآداب الشرعية (٢/ ٣١١، ٣١٥).

<<  <   >  >>