إنَّ مَن سادَ ثُمَّ سادَ أَبُوه ... ثمَّ سادَ مِن بعْدِ ذلِك جَدُّه
فتجِدُ أنَّ التَّرتيبَ على خِلافِ التَّرتيبِ الزَّمنيِّ، لكِنَّ هَذا يُسمَّى ترتيبًا ذِكريًّا، يَحتَمِلُ الوَجهَين.
ولكنَّ الوجْهَ الأوَّلَ أوْلَى؛ أنْ يُقالَ: إنَّ الدَّحوَ ليْس الخَلْقَ، الخلْقُ والتَّكوِينُ شيْءٌ، والدَّحْوُ شيْءٌ آخَرُ.
والدَّلِيلُ: أنَّ اللهَ تَعالى قال فَي الدَّحوِ مُفسِّرًا إيَّاه: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا}.
إذَنْ: لا مُعارَضةَ بيْن الآيتَين؛ لتَنزِل كلّ واحِدةِ مِنهُما على وجه لا يُعارِضُ الوجْهَ الآخَرَ.
واعْلَمْ أَنَّه ينبَغي للإنسانِ إذا رأَى آيتَيْن ظاهِرهُما التَّعارُضُ ألَّا يُسرِعَ في الحُكْمِ بالتَّعارُضِ؛ لأنَّه لا يُمكِنُ أنْ تَتعارَضَ آيتان مِن كلِّ وجْهٍ - كما ذكَرْنا ذلِك في أصُولِ التَّفسِيرِ - ولكِن ليَتأنَّى وليَتأمَّل وليُفكِّرْن، فإنَّ أدْرَك أنْ لا تَعارُضَ فهَذا المَطْلُوبُ، وإلَّا وجَب أنْ يَسْألَ أهلَ العِلْمِ، فإنْ لمْ يَتبيَّن لَه الأمْرُ وجَب علَيه التَّوقّفُ، وصارَتْ هَذه مِن الآياتِ المُتشابِهاتِ الَّتي يجِبُ أنْ يقُولَ فِيها: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: ٧].
وقد ذَكَرنا لكُم فِيما مَضَى أنَّ مِن العُلماءِ مَن ألَّف في الآياتِ الَّتي ظاهِرُها التَّعارُضُ وجمَع بيْنها، وذَكَرْتُ لكُم أنَّ مِن أحْسنِ ما رأيْتُ ما ألَّفَه الشَّيخُ الشّنقِيطيّ (دَفْع إيْهام الاضْطِراب عَن آيِ الكِتاب).
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنَّ نوْعَ الكُفرِ الَّذي حصَل مِن هؤُلاء المُخاطَبين هو الشَّركُ؛ لِقولِه: {وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا} [فصلت: ٩]، وجعَلوا الأندادَ لَه أنواعًا كثيرَةً؛ إمَّا أنْ يجعَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute