صَيَّر فِيها رواسيَ. والمَعنَى لا يختَلِفُ، لكنَّ الإعْرابَ يَختلِفُ، إذا قُلنا "مِن أفعالِ التَّصييرِ" صارَتْ تنصِبَ مفعُولَين، وإذا قُلنا "مِن أفعالِ الإيجادِ" صارَتْ تنْصِبَ مَفعُولًا واحِدًا.
وقولُ المُفسِّرِ: [جِبالًا ثوابِتَ] أفادَنا رَحِمَهُ اللَّهُ أنَّ {رَوَاسِيَ} صِفةٌ لمَوصُوفٍ محَذُوفٍ، والتَّقدِيرُ: جِبالًا رواسيَ، و {رَوَاسِيَ} بمَعنَى ثوابِتَ، وهلْ يجُوزُ أنْ يُحذَفَ المنعُوتُ؟ الجَوابُ: نعَم، وهُو كثِيرٌ، كثِيرٌ جِدًّا.
ومامِنَ المنْعوتِ والنَّعْتِ عُقِل ... يَجوزُ حَذْفُه وِفي النَّعْتِ يَقِلّ (١)
أي: في المَنعُوتِ يَكثُرُ؛ قال تَعالَى: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} [سبأ: ١١]؛ أي: دُرُوعًا سابِغاتٍ، وقولُه: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}؛ المُهِمُّ أنَّها كثِيرةٌ كما تَقدَّم، فإنَّ المَقصُودَ الصِّفةُ، والصِّفةُ تَكونُ بالنَّعْتِ وهُو موجُودٌ.
وقولُه: {مِنْ فَوْقِهَا} أي: هذِه الرَّواسي مِن فوْق؛ يعنِي: صيَّرَ فِيها رواسيَ، فالمَفعُولُ الأوَّلُ هُو {رَوَاسِيَ}، والثَّاني الجارُّ والمَجرُورُ.
وقولُه: {مِنْ فَوْقِهَا} انتبِه لهذِه الكَلِمةِ، فلَها فائِدةٌ عظِيمةٌ! إذِ الرَّواسِي قد تكُونُ مِن أسفَلَ، وقدْ تَكونُ مِن فوْق؛ فقَد تكُونُ مِن أسفَلَ، يعنِي يكُونُ مَثلًا يَحفِرُ في الأرْضِ قواعِدَ تُرسِي، وتَكونُ راسِيةً، لكِن هُنا قال: {مِنْ فَوْقِهَا}؛ وذلِك لفَوائِدَ:
الفائِدةُ الأُولى: ظُهورُ هذِه الرَّواسي وبيانُها للنَّاسِ؛ حتَّى يعرِفوا بذلِك حِكْمةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ورُبَّما لا تَكونُ رواسِيَ إلَّا إذا كانَتْ مِن فوْق؛ بِناءً على أنَّ الأرْضَ تدُور حتَّى تحفَظَ توازُنَها.
(١) الألفية (ص: ٤٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute