للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنه، وفِيها خُلِقَ آدَمُ؛ ولذلِك لمْ يَقُلْ هُنا: "سَواءٌ"، ووافَقَ ما هُنا آياتُ خَلْقِ السَّمواتِ والأرْضِ في سِتَّةِ أَيَّامٍ]؛ أيْ: قَضاهُنَّ سَبْع سَمواتٍ في يَومَيْنِ، و"فِي" للظَّرفِيَّةِ، والظَّرْفُ يَكونُ أوْسَعَ مِنَ المَظْرُوفِ، فيَحتَملُ أَنَّه قضاهُنَّ في يَومَيْن مِن أوَّلِ اليَومَيْنِ إلَى آخِرِهُما، ويَحتَمِلُ أَنَّه قَضاهُنَّ في يَومَيْن؛ أي: في هَذا الظَّرْفِ، وإنْ كانَ القَضاءُ لَم يَستوعبْ هَذا الظَّرْفَ، وهَذا هُو الَّذي مَشى علَيه المُفسِّرُ، وسيَتبيَن ما فِيه إنْ شاءَ اللهُ.

وقَولُه رَحِمَهُ اللَّهُ: [فُرِغَ مِنها في آخِر ساعَةٍ مِنه، وفِيها - أيْ في آخِرِ ساعَةٍ خُلِق آدَمُ - ولذلِك لمْ يَقُلْ سَواءً بَينَما قال في خَلْقِ الأرْضِ: {فِىَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً}، وهُنا لمْ يَقُلْ: "في يَومَيْن سَواءً"؛ لِأنَّ بَعْضَ اليَومَيْنِ خُلِقَ فِيه آدَمُ، هَذا ما ذَهَب إلَيْه المُفسِّرُ، وفِيه نَظَر ظاهِر؛ لِأنَّ هَذا يَقتَضِي أنَّ آدَمَ خُلِقَ حِينَ خَلَقَ السَّمواتِ والأرْضَ، يَعنِي في الأيَّام السَّتَّة الَّتي خُلِقتْ فِيها السَّمواتُ والأرْضُ، وهَذا لا شكَّ أَنَّه خَطَأٌ، بلْ إنَّه خُلِقَ بَعد ذلِك، لا أقُول: بمَلايِينَ، بَلْ بِمِئاتِ السِّنِين؛ لأنَّ آدَمَ عَلَيْهَ السَّلَام - كَما هُو مَعلُومٌ - جَعلَه اللهُ تَعالَى خَلِيفَةً لأُناسٍ قَبْلَه أَو لِلجِنِّ الَّذِين سَكَنُوا الأرْضَ قَبْلَه، ولِهَذا لَمَّا قال: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: ٣٠]، قالَتِ المَلائِكةُ: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة: ٣٠] إلَى آخِرِه.

فدَعْوَى المُفسِّرِ رَحِمَهُ اللَّهُ أنَّ آدَمَ خُلِقَ في آخِرِ ساعَةٍ مِن يَوْمِ الجُمُعةِ الَّتي تمَّ فِيها خَلْقُ السَّمواتِ والأرْضِ غيْرُ صَحِيحٍ.

نَعم؛ خُلِقَ آدَمُ يوْمَ الجُمُعةِ لا شكَّ في هَذا، كَما ثبُتَ عَنِ النَّبيِّ (١) عَلَيهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لكِنَّها ليْسَتِ الجُمُعة الَّتي تمَّ بها خلْقُ السَّمواتِ والأرْضِ؛ إذَنْ: خلَقَهنَّ في يومَيْن؛ يقُولُ المُفسِّرُ: [وَوافَقَ هُنا آياتُ خلْقِ السَّمواتِ والأرْضِ في ستَّةِ أَيَّامٍ] لأنَّ أرْبَعةَ


(١) أخرجه مسلم: كتاب الجمعة، باب فضل يوم الجمعة، رقم (٨٥٤)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>