أَيَّامٍ كانَتْ لخِلْقِ الأرْضِ، ويَومَيْن كانَتْ لخَلْقِ السَّماء، فيَكونُ المَجمُوعُ ستَّة أيَّامٍ، وهَذا أمْرٌ مُتَّفقٌ علَيه بيْن المُسلِمين أنَّ خلْقَ السَّمواتِ والأرْضِ في ستَّةِ أيَّامٍ.
وفِي بعْضِ الآياتِ يَقولُ: {وَمَا بَيْنَهُمَا}؛ لِأنَّ بيْن السَّمواتِ والأرْضِ مِنَ الآياتِ العَظِيمةِ ما اسْتَحقَّ أنْ يَكونَ قَسِيما لِخَلْقِ السَّمواتِ والأرْضِ، قال تَعالى: {خَلَقَ السَّمَواتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا}؛ وقَد كُنَّا نَقولُ: كَيْف يَكونُ خَلْقُ ما بيْن السَّماءِ والأرْضِ قَسِيمًا لخَلْقِ السَّمواتِ والأرْضِ مَع أَنَّه في نَظَرِنا لا يُساوي شَيئًا بالنِّسبَةِ إلَى خلْقِ السَّمواتِ والأرْضِ، إذْ كُنَّا لا نَعْلَمُ إلَّا أنَّ الَّذي بيْن السَّماءِ والأرْضِ هُو الغُيُومُ والهَواءُ فقَطْ، وكُنَّا نَقولُ: إنَّ القَمَرَ والنُّجُومَ والشَّمسَ كانَت في السَّماءِ. وكُنَّا نَقولُ: القَمَرُ في السَّماءِ الدَّنيا، والشَّمْسُ في السَّماءِ الرَّابعةِ وزُحَلُ في السَّماءِ السَّابعةِ، وكُنَّا نُنْشِدُ قوْلَ الشَّاعِرِ (١):
زُحلُ شَرَى مِرِّيخَه مِن شَمْسِه ... فَتَزاهَرَت بِعُطارِد الأقْمارُ
هَذه الكَواكِبُ السَّبْعةُ؛ والمَعنَى: مِن أعْلى إلَى أسْفَل، فـ "زُحَل" هَذا أعْلاها، "شَرى" المُشْتَرى، "مِرِّيخَه" المِرِّيخ، "مِن شَمسِه" الشَّمسُ، "فتَزاهَرت" الزّهرة، "بِعُطارد" عُطارد، "الأقْمار" القَمَر هُو الأخِيرُ، وعَلى هذا فتكونُ الشَّمْسُ في السَّماءِ الرَّابعةِ، وكُنَّا نَظُنُّ أنَّ هَذه مُرَصَّعةً بالسَّماءِ كَما يُرصَّعُ المِسْمارُ على الخَشَبةِ!
لكِن تَبيَّنَ الآنَ أنَّ هَذه في أجْواءٍ بيْن السَّماءِ والأرْضِ ولَيْست مُرَصَّعةً في السَّمواتِ والأرْضِ، وأنَّ السَّماءَ مِن فَوقِها بأمَدٍ بَعِيدٍ، وحِينَئِذٍ تَبِين الحِكْمَةُ مِن كَوْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يَجْعَلُ خَلْقَ ما بيْنَ السَّماءِ والأرْضِ عَدِيلًا لِخَلْقِ السَّماءِ والأرْضِ.
(١) غير منسوب، وانظره في: الفروق للقرافي (٢/ ١٨٣)، المواعظ والاعتبار للمقريزي (١/ ١٣)، حاشية ابن عابدين (١/ ٢٩).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute