ثمَّ قال رَحِمَهُ اللهُ: [{وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} الَّذي أمَر به مَن فِيها مِن الطَّاعةِ والعِبادةِ] "أوْحَى في كلِّ سَماءٍ أمْرَها"، يَعنِي: قدَّرَ بِما أوحاه في كلِّ سماءٍ أمْرَها، فكُلُّ سَماء لَها مَلائِكةٌ خاصَّةٌ، وعِباداتٌ خاصَّةٌ، وأجْواءٌ خاصَّةٌ، وكُلُّ سَماءٍ تَختَلِفُ عَنِ السَّماءِ الأُخْرَى، حتَّى إنَّ بَعْضَهم يَقولُ - وَهُو مِن الإسْرائِيلِيَّاتِ الَّتي لا تُصَدَّقُ وَلا تُكَّذَّبُ -: إنَّ جِرْمَ السَّماءِ الدَّنيا يَخْتَلِفُ عَن جِرْمِ السَّماءِ الثَّانيَةِ، والثَّانيةُ عَنِ الثَّالِثةِ، كُلُّ واحِدةٍ مِن مادَّةٍ أُخرَى غَيرِ مادَّةِ السَّماءِ الأُخْرَى، والله أعْلَمُ.
وقَولُه: {أَمْرَهَا} مُفْرَدٌ مُضافٌ فيَعُمُّ جَمِيعَ الأُمُورِ، فجمِيعُ ما يَتعلَّق بكُلِّ سماءٍ قَد أوْحاه اللهُ بِها.
وَقَولُه رَحِمَهُ اللهُ [{وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} الَّذي أَمَرَ بِه مَن فِيها مِنَ الطَّاعَةِ والعِبادَةِ، صَرَفَ المُفسِّرُ رَحِمَهُ اللهُ الأمْرَ هُنا إلَى الأمْرِ الشَّرْعيِّ لا الأمْرَ الكَوْنيَّ؛ ولذلِكَ قال: [{أَمْرَهَا} الَّذي أمَرَ بِه مَن فِيها مِنَ الطَّاعَةِ والعِبادَةِ] ويَحتَملُ أنْ يَكونَ المُرادُ بِالأمْرِ هُنا الشَّأنُ، أيْ أوْحَى في كُلِّ سماءٍ شَأنَها، فيَشْمَلُ أحْوالَ السَّماءِ وأحْوالَ مَن فِيها، وهَذا أعَمُّ مِمَّا ذَكَرَه المُفسِّر رَحِمَهُ اللهُ وإنَّنا نُقرِّرُ قاعِدة في التَّفسِيرِ: إذا ورَدَ تَفْسِيرانِ في الآيَةِ أحَدُهما أعمُّ أخَذْنا بالأعمِّ، لأنَّ الأعمَّ يدْخُلُ فِيه الأخصُّ ولَا عَكْسَ، فَإذا قُلْنا: "شَأنُها" صارَ أعمَّ مِن أنْ نَقُولَ: "إنَّه أمْرُها الشَّرْعيُّ"، لأنَّ هَذا أخصُّ، فالحَمْلُ على الأعمِّ أوْلَى.
وقَولُه: {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا} انْظُرْ إلَى خَصائِصِ السَّماءِ الدَّنْيا {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [بنُجُوم} {وَحِفْظًا} أمَنْصُوبٌ بِفِعلِه المُقدَّرِ، أي: حَفِظْناها مِنِ استِراقِ الشَّياطِين السَّمْعَ بالشُّهُبِ، "زيَّنَّا السَّماءَ الدَّنيا"، "الدُّنيا" يَعنِي: القُربَى، وسُمِّيَتْ دُنيا لأنَّها قَريبَةٌ مِنَ الأرْضِ، فهِي أقْرَبُ السَّمواتِ، زَّينَها بمَصابِيحَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute