للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَشاءُ]، وهَذا المِثالُ قَد يكونُ حَقًّا وقَد يَكونُ إسرائِيليًّا؛ لأنَّه مِنَ المَعْرُوفِ أنَّ عادًا كانُوا يَعمَلُون بالنَّحت، وإذا ثَبَتَ فيمكِن أنْ يَحمِلُوا الجَبَلَ؛ {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ} [الأحقاف: ٢١]، والمَعرُوف أنَّ الأحْقافَ كُلُّها جِبالٌ رَملِيَّةٌ.

لَكِن سَواءٌ صَحَّ هَذا المِثالُ أوْ لَم يَصِحَّ، فإنَّهم كانوا - بلا شكَّ - أقوِياءَ أشِدَّاءَ.

{وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} قال اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رادًّا عَلَيهم: {أَوَلَمْ يَرَوْا}، يَقولُ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: أيْ: [يَعلَموا {أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً}]، وَهَذا تَقرِير لِكَونِ اللهِ تَعالَى هُو أشَدَّ مِنْهُم قُوَّةً.

قال تَعالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ} وَلمْ يَقُلْ: (إنَّ اللهَ أشَدُّ)، بلْ قالَ: {خَلَقَهُمْ}؛ لِيُبيِّن ضَعفَهم، وأنَّهم مَخلُوقُون، وأنَّ الخالِقَ سَوفَ يَكونُ أقْوى مِنهم، فالَّذِي خَلَقهم أشَدُّ مِنْهُم قُوَّةً؛ لِأَنَّه هُو الَّذي أعْطاهم القُوَّةَ، ومُعْطِي الكَمالَ أوْلَى به، وهَذه هِي الحِكمَةُ مِن كَونِه تَعالَى قال: {أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ}، ولَم يَقُل: أوَلَم يَعلَموا أنَّ الله الَّذي خَلَقَ السَّمواتِ والأرْضَ، أوْ أنَّ الله هُو أشَدُّ مِنْهم قُوَّةً لِيُبيِّن ضَعفَهم وأنَّهم مَخْلُوقُون ضُعفاءُ.

قال اللهُ تَعالَى: {وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}، قَولُه: {وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} مَعطُوفةٌ على قَولِه: {فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}.

يَقولُ المُفسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [{بِآيَاتِنَا} المُعجِزات {يَجْحَدُونَ}]، يَعنِي يُكذِّبون؛ لأنَّ الجَحْدَ هُو التَّكذِيبُ والإنْكارُ، لا سيَّما وهُو مُعدًّى بالباءِ الدَّالَّةِ على ذلِك. وقَولُ المُفسِّرِ: [{بِآيَاتِنَا} المُعجِزات] فِيه نَظَرٌ؛ لأنَّ الآياتِ هِي العَلاماتُ والدَّلالاتُ على الخالِق عَزَّ وَجَلَّ ولَيْست مُعجِزاتٍ.

<<  <   >  >>