للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإِنْ قالَ قائِل: قَولُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ} فِيه إضافَةُ النَّحْسِ إلَى الأيَّامِ؟

فالجَوابُ: لا بَأْس بِه، كَما قال لُوطٌ عَلَيْهِ الْصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: {هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود: ٧٧]، وَهَذا إذا كان المُرادُ بِه مجُرَّدُ الخَبَرِ، كَما هُنا، وأمَّا إذا كان المُرادُ بِه العَيْبَ والسَّبَّ فإنَّه لا يجوزُ. فَإذَن يَكونُ هَذا السَّبُّ أوِ العَيْبُ إمَّا أنْ يَكونَ على سَبِيلِ الإِخْبارِ أو على سَبِيلِ السَّبِّ، على الأوَّلِ جائِزٌ وعلى الثَّاني غَيْرُ جائِزٍ.

نَظِيرُ ذلِك: إخْبارُ المَرِيضِ بما يَجِدُ، فأحْيانًا يَسْألُه الصَّاحِبُ: كَيف أَنْتَ البارِحةَ؟ فَيَتَشكى ويَقولُ: واللهِ ما نِمْتُ البارِحةَ؛ آلامٌ في الرَّأسِ، في الرَّقبةِ، في الظَّهْرِ، في البَطْنِ، في الرِّجلَيْن، هَذا إذا قالَه على سَبِيلِ التَّشَكِّي فَلا يَجُوزُ؛ لأنَّه يُنافي الصَّبْرَ، وإذا قالَه على سَبيلِ الإخْبارِ فَلا بَأسَ بِه؛ ولِهَذا بَعْضُ المَرضَى يُقدمُ فَتقولُ إخْبارًا لا شَكوى: حَصَل لِي كَذا وكَذا.

يَقولُ المُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [{لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ} والذَّلُّ {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}]، اللَّام لِلعاقِبةِ، ويَحتَمِلُ أنْ تَكون للتَّعلِيلِ وكِلاهُما صَحِيح، فإنَّ اللهَ تَعالى أرْسَل علَيْهمُ الرِّيحَ العَقِيمَ لهَذا الغَرَضِ، أوْ أرْسَلَ علَيهِمُ الرِّيحَ العَقِيمَ حتَّى كانَتْ عاقِبتُهم أنْ ذاقُوا {عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}؛ يَعنِي: هَذه الحَياةُ الَّتي نَحياها، وسُمِّيَتْ دُنيا لِوَجهَيْن:

الوَجْهُ الأوَّل: لدَناءَتِها وحَقارَتها بالنِّسْبَةِ للآخِرَةِ؛ لأنَّ مَوضِعَ سَوْطِ الإنْسانِ في الجنَّةِ خيْرٌ مِن الدُّنْيا وما فِيها؛ ولأنَّها أيْضًا دُنْيا مُنَغِّصةٌ لا تَكادُ يَمُرُّ بِكَ الشَّهْرُ إلَّا وقَد وَجَدتَ تَنْغِيصًا، بَلْ أقَلَّ مِن ذَلِك، كَما قال الشَّاعِر (١):


(١) البيت للنمر بن تولب، انظر: الكتاب لسيبويه (١/ ٨٦)، وشرح الكافية الشافية لابن مالك (١/ ٣٤٦).

<<  <   >  >>