إذا العيون اجتله في بذاذته ... تعلو نواظرها عنه وتقتحمه وله تعالى:" وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين " إن قلت: ما النكتة في تقديم التجارة على اللهو في صدر الآية، وتقديم اللهو على التجارة في آخرها. قلت: التجارة أمر مقصود يقبل الاهتمام بالجملة، وأما اللهو فأمر حقير مرذول غير قابل للاهتمام. ومقام التشنيع عليهم يقتضي الترقي من الأعلى إلى الأدنى، فالمراد والله أعلم: أن هؤلاء لا جد لهم في القيام بالوظائف الدينية، ولا لهم قدم راسخ في الاهتمام بالأوامر الإلهية، بل إذا لاح لهم أمر دنيوي يرجون نفعه كالتجارة، أعرضوا عما هم فيه من عبادة الله سبحانه، ولم يراقبوا مقامك فيهم وخرجوا إليها، جاعلين ما يؤملونه من التكسب نصب أعينهم، بل إذا سنح لهم ما هو أقل نفعاً من التجارة بكثير، وهو اللهو، ضربوا لأجله من العبادة صفحاً وطووا عن ذكر الله كشحاً وخرجوا إليه ولم يستحيوا منك، وأنت قائم تنظر إليهم، فظهر بهذا أن المقام يقتضي تقديم التجارة على اللهو في أول الآية. وأما تقديمه عليها في آخرها، فإن المقام هناك يقتضي الترقي من الأدنى إلى الأعلى، فإن الغرض تنبيههم على أن ما عند الله سبحانه من الأجر الجزيل والثواب العظيم خير من هذا النفع الحقير الذي حصل لكم من اللهو، بل خير من ذلك النفع الآخر الذي اهتممتم بشأنه، وجعلتموه نصب أعينكم، وظننتموه أعلى مطالبكم، أعني نفع التجارة، الذي يقبل الاهتمام في الجملة.
من تفسير القاضي " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا " الآية فتعرفوا وتفصحوا. روي أنه عليه الصلاة والسلام بعث الوليد بن عتبة عقبه مصدقاً إلى بني المصطلق وكان بينه وبينهم إحنة فلما سمعوا به استقبلوه، فحسبهم مقاتليه، فرجع، وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم. قد ارتدوا ومنعوا الزكوة، فهم بقتالهم، فنزلت. وقيل بعث إليهم خالد بن الوليد، فوجدهم منادين بالصلاة متهجدين مجتهدين فسلموا إليه الصدقات فرجع. وتنكير الفاسق والنبأ للتعليم، وتعليق الأمر بالتبين على فسق المخبر يقتضي جواز قبول خبر العدل، من حيث أن المعلق على شيء بكلمة إن عدم بكله انعدم عند عدمه، وإن خبر الواحد لو وجب تبينه من حيث هو كذلك لما رتبه على الفسق، إذ الترتيب يفيد التعليل، وما بالذات لا يعلل بالغير؛ وقرأ حمزة والكسائي فتثبتوا أي توقفوا إلى أن تبين لكم الحال، أن تصيبوا: كراهة إصابتكم، قوماً بجهالة: جاهلين بحالهم، فتصبحوا: فتصيروا على ما فعلتم نادمين، مغتمين غماً لازماً، متمنين أنه لم يقع، وتركيب هذه الأحرف الثلاثة دائر مع الدوام