اعلم أن الأصحاب لما رأوا اجتماع النتيجتين المتنافيتين الحاصلتين من قولهم الكلام صفة لله تعالى، وكل ما هو صفة لله تعالى، فهو قديم، فالكلام قديم، والكلام مترتب الأجزاء مقدم بعضها على بعض، وكلما هو كذلك فهو حادث، فالكلام حادث، منع كل طائفة مقدمة فيها كالمعتزلة للأولى والكرامية للثانية، والأشاعرة للثالثة، والحنابلة للرابعة، والحق أن الكلام يطلق على معنيين على الكلام النفسي، وعلى الكلام اللساني، وقد يقسم الأخير إلى حالتين ما للمتكلم بالفعل وما للمتكلم بالقوة، وتبين الكل بالضد كالنسيان للأول والسكوت للثاني والخرس للثالث، والمعنى يطلق على معنيين: المعنى الذي هو مدلول اللفظ، والمعنى الذي هو القائم بالغير، فالشيخ الأشعري لما قال: الكلام هو المعنى النفسي فهم الأصحاب منه، أن المراد منه مدلول اللفظ حتى قالوا بحدوث الألفاظ، وله لوازم كثيرة فاسدة كعدم التكفير لمنكري كلامه ما بين الدفتين، لكنه علم بالضرورة من الدين أنه كلام الله تعالى، وكلزوم عدم المعارضة والتحدث بالكلام، بل نقول المراد بن الكلام النفسي بالمعنى الثاني شاملاً للفظ أو المعنى قائماً بذات الله تعالى، وهو مكتوب في المصاحف مقروء بالألسنة محفوظ في الصدور، وهو غير القراءة والكتابة والحفظ الحادثة كما هو المشهور من أن القراءة غير المقروء، وقولهم إنه مترتبة الأجزاء قلنا لا نسلم بل المعنى في النفس لا ترتب فيه ولا تأخر كما هو قائم بنفس الحافظ ولا ترتب فيه، نعم الترتب إنما يحصل في التلفظ لضرورة عدم مساعدة الآلة وهو حادث منه، ويحمل الأدلة اتلتي يدل على الحدوث على حدوثه جمعاً بين الأدلة، وهذا البحث وإن كان ظاهره خلاف ما عليه، متأخروا القم لكن بعد التأمل يعرف حقيته. والحق أن هذا المحمل محمل صحيح لكلام الشيخ، ولا غبار عليه فأحفظه والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
لا تأسفن من الدنيا على أمل ... فليس باقيه إلا مثل ماضيه
للشيخ أبي الفتح البستي
زيادة المرء في دنياه نقصان ... وربحه غير محض الخير خسران
وكل وجدان حظ لا ثبات له ... فإن معناه في التحقيق فقدان يا عامراً لخراب الدهر مجتهداً ... تالله هل لخراب الدهر عمران؟
ويا حريصاً على الأموال تجمعها ... أنسيت أن سرور المال أحزان
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته ... أتطلب الربح فيما فيه خسران
أقبل على النفس واستعمل فضائلها ... فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
دع الفؤاد عن الدنيا وزخرفها ... فصفوها كدر والوصل هجران