من كتاب المزار في الصبر، وروى البيهقي عن ذي النون المصري قال: كنت في الطواف وإذا أنا بجاريتين قد أقبلتا، وأنشأت إحداهما وهي تقول:
صبرت على ما لو تحمل بعضه ... جبال برضوي حنين لم تزل أصبحت تتصدع
ملكت دموع العين ثم رددتها ... إلى ناظري فالعين في القلب تدمع
فقلت: فماذا يا جارية؟ فقالت: من مصيبة نلتها لم تصب أحداً قط، قلت: وما هي؟ قالت: كان لي شبلان يلعبان أمامي وكان أبوهما ضحى بكبشين فقال أحدهما لأخيه: يا أخي أريك كيف ضحى أبونا بكبشيه؟ فقام وأخذ الآخر شفرة فنحره فهرب القاتل، ودخل أبوهما فقلت له: إن ابنك قتل أخاه، وهرب فخرج في طلبه فوجده قد افترسه السبع، فرجع الأب فمات في الطريق ظمأً وجوعاً حزناً.
قال الصفدي في سبب ما يرى الأحول الواحد اثنين: أقول: زعموا أنه إذا حدث التاء الحدقة بسبب ارتخاء عضلها، أو تحويل الرطوبة الجليدية عن وضعها في إحدى الجهتين دون الأخرى، يبقى الجهة التي قد تحول وضها بتطبع الصورة المنتقلة من رطبوتها الجليدية لا في الفصل المشترك بل في موضع آخر بسبب الغمز الذي حدث منه التحويل، كما إذا أشرقت الشمس على ماء في البيت فإنه يشرق منه نور في السقف، فلو تغير وضع الماء تغير موضع انطباعه في السقف، كذلك تغير وضع الحدقة يوجب انتقال موضع انطباع ما في الجليدية، فتبقى الصورة الصورتين فيرى الواحد اثنين.
قال الشيخ الإمام العلامة شمس الدين محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاري وله كتاب في المناظر والمرايا: قولهم إن الأحول يرى الشيء شيئين ليس على إطلاقه، بل إنما يرى الشيء شيئين، إذا كان حوله إنما هو باختلاف المقلتين يمنة ويسرة، أو بسبب الارتفاع والانخفاض، ودام وألف فلا.
ومما يؤيد ذلك ان الإنسان إذا غمز إحدى حدقتيه حتى يخالف الأخرى يمنة أو يسرة، فإنه يرى الشيء شيئين، ويوجد في الناس غير واحد ممن حوله بالارتفاع والانخفاض قد ألف تلك الحالة، فلا يرى الشيئين، والحق أن الذي يغمز إحدى عينيه حتى يرتفع أو ينخفض عن أختها، إنما يرى الشيء شيئين، لأنه يرى الشيء المرئي بإحدى العينين قبل الأخرى فيصل إلى التقاطع الصليبين شبح هو هذا الشبح، فيرى الواحد اثنين فقط، ولولا ذاك لرأى هذا الرائي الشيء الواحد متكثراً بغير نهاية على نسبة زوج الزوج البتة، كما في تضعيف الرقعة الشطرنج.
ذكر أن الحجاج خرج يوماً متنزهاً فلما فرغ من تنزهه، صرف عنه أصحابه وانفرد بنفسه،