فإذا هو بشيخ من عجل فقال له: من أين أيها الشيخ؟ قال: من هذه القرية، قال: كيف ترون عمالكم؟ قال: شر عمال يظلمون الناس ويستحلون أموالهم؛ قال: فكيف قولك في الحجاج؟ قال: ذلك ما ولي العراق أشر منه قبحه الله وقبح من استعمله، قال: أو تعرف من أنا؟ قال: لا، قال الحجاج، فقال: أتعرف من أنا؟ قال: لا، قال: أنا مجنون بني عجل، أصرع في كل يوم مرتين، فضحك وأمر له بصلة جليلة.
فائدة: الطعوم تسعة: وهي الحلو، والمر. والحامض، والمز. والمالح والحريف، والعفص، والدسم، والتفه، لأن الجسم إما أن يكون كثيفاً أو لطيفاً أو معتدلاً والفاعل فيه إما البرودة أو الحرارة أو المعتدل بينهما، فيفعل الحار في الكثيف مرارة، وفي اللطيف حرافة، وفي المعتدل ملوحة، والبرودة في الكثيف عفوصة، وفي اللطيف حموضة، وفي المعتدل قبضاً، والمعتدل في الكثيف حلاوة، وفي اللطيف دسومة وفي المعتدل تفاهة وقد يجتمع طعمان كالمرة والقبض في الخضض الحصص ويسمى البشاعة والمرارة والملوحة في السبخة ويسمى الزعوقة، وزعم بعضهم أن أصول الطعوم أربعة: الحلاوة والمرارة والملوحة والحموضة، وما عداها مركب منها. قد اختلف الحكماء في وجود المزاج المعتدل وعدمه، قال فخر الدين الرازي: ما ذكره الشيخ في الشفاء يدل على أن المركب المعتدل قد يكون موجوداً إلا أنه لا يستمر ولا يدوم، ثم قال بعد كلام طويل وأما المعتدل المزاج ما امتزج من العناصر على أكمل أحواله فقد قالوا لما كان الاعتدال الحقيقي ممتنعاً وجب أن يكون كلما قرب إليه أولى باسم الاعتدال.
قال الإمام العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاري احتجوا على تعلل وجود المعتدل بامتناع مكان يستحقه، لأن مكان المركب مكان ما يغلب عليه من البسايط، وهذه بسائط متعادلة، فيجب أن لا يستحق مكاناً فيمتنع وجوده. قال الصفدي: وفي هذه الحجة نظر، وذك أنا عنينا بالمعتدل ما تكافأت فيه الكيفيات، فهذا يجب أن يتكافى فيه الكميات، لأن الجزء اليسير من النار يقاوم بحرارته كثيراً من جوهري الماء والأرض، فعلى هذا يجوز وجود المعتدل باعتبار الكيفيات دون الكميات، ويكون مكانه الذي يستحقه هو مكان ما غلب عليه من العناصر بكميته لا بكيفيته لأن الاعتبار في المزاج