إنما هو بالكيفية فقط، والاعتبار في الحيز إنما هو بالكم والثقل والخفة، فالحجة المذكورة غير موجهة.
قال الشيخ بدر الدين محمد بن جمال الدين محمد بن مالك: الاسم الدال على أكثر من اثنين بشهادة التأمل، إما أن يكون موضوعاً للآحاد المجتمعة دالاً عليها دلالة تكرار الواحد بالعطف وإما أن يكون موضوعاً لمجموع الآاد، دالاً عليها دلالة المفرد على جملة أجزاء مسماه، وإما أن يكون موضوعاً للحقيقة ملغى فيه اعتبار الفردية، إلا أن الواحد ينتفي بنفيه، فالموضوع للآحاد المجتمعة: سواء كان له واحد من لفظه مستعمل كرجال وأسود، أو لم يكن كأبابيل، والموضوع لمجموع الآحاد، هو اسم الجمع، سواء كان له واحد من لفظه كركب وصحب، أو لم يكن كقوم ورهط والموضوع للحقيقة بالمعنى المذكور هو اسم الجنس، وهو غالباً فيما يفرق بينه وبين واحدة بالتاء كتمرة وتمر وعكسه كمأة وجبائة.
ولكن على ما أنزله من خزائنه فجعلته في خزائنك وحلت بيننا وبينه لله در قائله:
وما أحد من ألسن الناس سلما ... ولو أنه ذاك النبي المطهر
فإن كان مقداماً يقولون أهوج ... وإن كان مفضالاً يقولون مبذر
وإن كان سكيتاً يقولون أبكم ... وإن كان منطيقاً لون مهدر مهذر
وإن كان صواماً وبالليل قائماً ... يقولون زراق يرائي ويمكر
فلا تكترث بالناس في المدح والثناء ... ولا تخشى غير الله فالله أكبر دخل شريك بن الأعور على معاوية وكان دميماً، فقال له معاوية: إنك لدميم والجميل خير من الدميم، وإنك لشريك وما لله شريك، وإن أباك الأعور، والصحيح خير من الأعور، فكيف سدت قومك؟ فقال له: إنك لمعاوية: فما معاوية إلا كلبة عوت فاستعوت الكلاب، وإنك لابن صخر والسهل خير من الصخر، وإنك لابن حرب والسلم خير من الحرب، وإنك لابن أمية وما أمية إلا أمة فصغرت فكيف صرت علينا أمير المؤمنين؟ ثم خرج من عنده، وهو يقول شعراً:
أيشتمني معاوية بن حرب؟ ... وسيفي صارم ومعي لساني
وحولي من بني عمي ليوث ... ضراغمة تهش إلى الطعان
قيل: إنه لما سمع بعضهم قول أبي تمام:
لا تسقني ماء الملام لأنني ... صبٌّ قد استعذبت ماء بكائي
جهز له كوزاً، وقال: إبعث لي في هذا قليلاً من ماء الملام. فقال أبو تمام: لا أبعثه حتى تبعث لي بريشة من جناح الذل.
لمحيي الدين ابن قرناص
قد أتينا للرياض حين تجلت ... وتحلت بحلية الألوان
ورأينا خواتم الزهر لما ... سقطت من أنامل الأغصان
لله در قائله
مجرة جدول وسماء آس ... وأنجم نرجس وشموس ورد
ورعد مثالث وسحاب كأس ... وبرق مدامة وضباب ند
قال في كتاب المستطرف: ذكر نبذة من سرقات الشعراء وسقطاتهم. من ذلك قول قيس بن الحطيم، وهو شاعر الأوس وشجاعها:
وما المال والأخلاق إلا معارة ... فما اسطعت من معروفها فتزود
وكيف يخفى؟ ما أخذه من قصيدة طرفة بن العبد، وهي معلقة على الكعبة:
لعمرك ما الأيام إلا معارة ... فما اسطعت من معروفها فتزود
وقول عبدوة بن الطيب:
فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما
أخذه من قول امرىء القيس:
فلو أنها نفس تموت شوية ... ولكنها نفس تساقط أنفسا
وجرير على سعة تبحره وقدرته على الشعر قال:
فلو كان الخلود بفضل مال ... على قوم لكان لنا الخلود
أخذه من قول زهير وهو شعر مشهود يحفظه الصبيان، وترويه النسوان، وهو:
فلو كان حمد يخلد المرء لم يمت ... ولكن حمد المرء غير مخلد
وقد قال السماخ الشماخ:
وأمر ترجي النفس ليس بنافع ... وآخر تخشى ضيره لا يضيرها
وهو مأخوذ من قول غيره:
ترجى النفوس الشيء لا تستطيعه ... وتخشى من الأشياء ما لا يضيرها
لمحي الدين ابن قرناص
خلقنا بأطراف القنا في ظهورهم ... عيوناً ولها وقع السيوف حواجب
لقوا نبلنا مرد العوارض وانثنوا ... لأوجههم منا لحىً وشوارب
حكي أن بعضهم دخل بأمرد إلى بيته، وكان بينهما ما كان، فلما خرج الأمرد ادعى أنه الفاعل، فقيل له ذلك، فقال: فسدت الأمانات، وحرمت اللواطة إلا أن يكون بشاهدين قال بعض الشعراء:
إن المهذب في اللوا ... طة ليس يعدله شريك
فإذا خلا بغلامه ... فالله يعلم من ينيك
قيل: إن معن بن زائدة دخل على المنصور، فقال له: يا معن تعطي مروان بن أبي حفصة مائة ألف على قوله:
معن بن زائدة الذي زادت به ... شرفاً على شرف بنو شيبان
فقال: كلا إنما أعطيته على قوله:
ما زلت يوم الهاشمية معلناً ... بالسيف دون خليفة الرحمن
فمنعت حوزته وكنت وقى له ... من وقع كل مهند وسنان