قال بعض الحكماء: ينبغي للعاقل أن يعلم أن الناس لا خير فيهم وأن يعلم أنه لابد منهم وإذا عرف ذلك عاملهم على قدر ما تقتضيه هذه المعرفة.
شتم رجل بعض الحكماء فتغافل عن جوابه، فقال: إياك أعني فقال الحكيم وعنك أغمض.
ومن درة الغواص قولهم: هاون غلط إذ ليس في كلام العرب فاعل والعين فيه واو الصواب أن يقال هاوون على وزن فاعول.
لسان العاقل من وراء قلبه وقلب الأحمق من وراء لسانه.
السكاكي يستهجن قول أبي تمام:
لا تسقني ماء الملام فإنني ... صب قد استعذبت ماء بكائي
لأن الاستعارة التخييلية فيه منفكة عن الإستعارة بالكناية، وصاحب الإيضاح يمنع الإنفكاك فيه مستنداً بأنه يجوز أن يكون قد شبه الملام بظرف شراب مكروه فيكون استعارة بالكناية، وإضافة الماء تخييلية، وأنه تشبيه من قبيل لجين الماء لا استعارة، قال ووجه الشبه أن اللوم يسكن حرارة الغرام كما أن الماء يسكن غليل الأوام.
وقال الفاضل الجلبي في حاشية المطول: فيه نظر، لأن المناسب للعاشق أن يدعي أن حرارة غرامه لا تسكن لا بالملام، ولا بشيء آخر، فكيف يجعل ذلك وجه شبه؟ ! إنتهى كلامه هذا.
ونقل ابن الأثير في كتاب المثل السائر أن بعض الظرفاء من أصحاب أبي تمام لما بلغه البيت المذكور أرسل إليه قارورة وقال: إبعث إلينا شيئاً من ماء الملام، فأرسل إليه أبو تمام إبعث علي بريشة من جناح الذل لأبعث إليك بشيء من ماء الملام. ثم إن ابن الأثير استضعف هذا النقل وقال: ما كان أبو تمام بحيث يخفى عليه الفرق بين التشبيه في الآية والبيت، فن جعل الجناح للذل كجعل الماء للملام، فإن الجناح مناسب للذل، وذلك أن الطائر عند إشفاقه وتعطفه على أولاده يخفض جناحه ويلقيه على الأرض، وهكذا عند تعبه ووهنه، والإنسان عند تواضعه وانكساره يطأطىء رأسه ويخفض يديه اللذين هما جناحاه، فشبه ذله وتواضعه لحالة الطائر على طريق الاستعارة بالكناية وجعل الجناح قرينة لها وهو من الأمور الملائمة للحالة المشبه بها، وأما ماء الملام فليس من هذا القبيل كما لا يخفى انتهى كلام ابن الأثير مع زيادة وتنقيح هذا.
ويقول كاتب هذه الأحرف إن للبيت محملاً آخر كنت أظن أني لم أسبق إلى هذا الوجه حتى رأيته في التبيان وهو أن يكون ماء الملام من قبيل المشاكلة لذكر ماء البكاء ولا يظن أن