تأخر ذكر ماء البكاء يمنع المشاكلة، فإنهم صرحوا في قوله تعالى: " فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين " أن تسميه الزحف على البطن مشياً لمشاكلة ما بعده وهذا الحمل إنما يتمشى على تقدير عدم صحة الحكاية المنقولة.
ثم أقول: هذا الحمل أولى مما ذكره صاحب الإيضاح فإن الوجهين اللذين ذكرهما في غاية البعد، إذ لا دلالة في البيت على أن الظرف أو الماء مكروه كما قاله المحقق التفتازاني في المطول والتشبيه لا يتم بدونه.
وأما ما ذكره صاحب المثل السائر في أن وجه الشبه أن الملام قول يعنف به المعلوم وهو مختص بالسمع؛ فنقله أبو تمام إلى ما يختص بالحلق، كأنه قال: لا تذقني ما الملام ولما كان السمع يتجرع الملام أو لا كتجرع الحلق الماء صار كأنه شبيه به، فهو وجه في غاية البعد أيضاً كما لا يخفى.
والعجب منه أنه جعله قريباً وغاب عنه عدم الملائمة بين الماء والملام هذا وقد أجاب بعضهم على نظر الفاضل الجلبي في كلام إيضاح بأن تشبيه الشاعر الملام بالماء في تسكين نار الغرام إنما هو على وفق معتقد اللوام أن حرارة غرام العشاق تسكن بورود الملام وليس ذلك على وفق معتقده، فلعل معتقده أن نار الغرام تزيد بالملام كما ينظر إليه قول أبو الشيص:
أجد الملامة في هواك لذيذة ... حباً لذكرك فليلمني اللؤم
أو أن تلك النار لا يؤثر فيها الملام كما قال الآخر:
جاؤوا يرمون سلواني بلومهم ... عن الحبيب فراحوا مثل ما جاؤوا
فقول الجلبي: لأن المناسب للعاشق الخ غير جيد، فإن صاحب الإيضاح لم يقل إن التشبيه معتقد العاشق.
ويقول كاتب الأحرف: إن ذكره صاحب الإيضاح الكراهة في الشراب صريح بأنه غير راض بهذا الجواب انتهى.
لبعضهم
بكرت عليك فهيجت وجدا ... هوج الرياح وأذكرت نجدا
أتحن من شوق إذا ذكرت ... نجد؟ وأنت تركتها عمدا
ابن الخياط
خذا من صبا نجدٍ أماناً لقلبه ... فقد كاد رياها يطير بلبه
وإياكما ذاك النسيم فإنه ... إذا مر كان الوجد أيسر خطبه
خليلي لو أبصرتما لعلمتما ... مكان الهوى من مغرم القلب صبه
تذكر والذكرى تشوق وذو الهوى ... يتوق ومن يعلق به الحب يصبه
وفي الحي محني الضلوع على جوى ... متى يدعه داعي الغرام يلبه
غرام على يأس الهوى ورجائه ... وشوقاً على بعد المزار وقربه
ومحتجب بين الأسنة والقنا ... وفي القلب من إعراضه مثل حجبه
أغار إذا أنست في الحي أنة ... حذاراً عليه أن تكون لحبه
آخر
وأتعب الناس ذو حال ترقها ... يد التجمل والأقتار تخرقها
نقل ركابك للعلا ... ودع الغواني للقصور