للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هكذا قلت، فقال: لو سكرت ونمت، وقام إليك غلامك، وأولج فيك مثل ذراع البكر فقل لي: هذه نعمة يجب الشكر عليها أو بلية يجب الصبر لديها، قال ثمامة: فتحيرت ولم أدر ما أقول له.

فقال: وهنا مسألة أخرى أسألك عنها، فقلت: هات قال: متى يجد النائم لذة النوم؟ إن قلت إذا استيقظ فالمعدوم لا يوجد له لذة، وإن قلت قبل النوم فهو كذلك، وإن قلت حال النوم فلا شعور له، قال ثمامة: فبهت ولم أستطع له جواباًز فقال: مسألة أخرى قلت: وما هي؟ قال: إنك تزعم أن لكل أمة نذير فمن نذير الكلاب؟ قلت: لا أدري الجواب، فقال: أما الجواب عن السؤال الأول فيجب أن تقول الأقسام ثلاثة: نعمة يجب الشكر عليها، وبلية يجب الصبر لديها، وبلية يمكن التحرز منها كيلا ينضم العار إليها وهي هذه.

وأما المسألة الثانية فالجواب عنها أنها محال لأن النوم داء، ولا لذة مع وجود الداء.

وأما المسألة الثالثة وأخرج من كمه حجراً وقال: إذا عوى عليك كلب فهذا نذيره ورماني بالحجر فأخطأني، فلما رآه قد أخطأني قال: فاتك النذير أيها الكلب الحقير. فعلمت أنه مصاب في عقله فتركته وانصرفت ولم أر مجنوناً بعدها.

كان البهلول جالساً والصبيان يؤذونه وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله ويكررها فلما طال أذاهم له حمل عصاة، وكر عليهم وهو يقول:

أمر على الكتيبة لا أبالي ... أفيها كان حتفي أم سواها؟

فتساقط الصبيان بعضهم على بعض فقال: هزم القوم وولوا الدبر أمرنا أمير المؤمنين أن لا نتبع مولياً ولا ندفف على جريح ثم جلس وطرح عصاه وقال:

وألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قر عيناً بالإياب المسافر

من الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين رضي الله عنه

إني رأيت وفي الأيام تجربة ... للصبر عاقبة محمودة الأثر

لا تضجرن ولا يدخلك معجزة ... فالنجح يهلك بين العجز والضجر

قال بعض الحكماء: إنكاء ما يكون لعدوك أن لا تريه أنك تتخذه عدواً.

لبعضهم

الدهر خداعة خلوب ... وصفوه بالقذا مشوب

فلا تغرنك الليالي ... فبرقها الخلب الكذوب

وأكثر الناس فاعتزلهم ... قوالب ما لها قلوب إسماعيل المفري

<<  <  ج: ص:  >  >>