للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النظام

توهمه طرفي فآلم خده ... فصار مكان الوهم من خده أثر

فصافحه كفي فآلم كفه ... فمن صفح كفي في أنامله عقر

ومن بفكري خاطراً فجرحته ... ولم أر خلقاً قط تجرحه الفكر

يقال: إن هذه الأبيات لما بلغت الجاحظ، قال: مثل هذا ينبغي أن لا يكون إلا من الوهم.

عير سقراط الحكيم رجل بخمول نسبه، وتاه عليه بشرفه ورياسته، فقال له: سقراط: إليك انتهى شرف قومك، ومني ابتدأ شرف قومي، فأنا فخر قومي وأنت عار قومك.

من بعض التواريخ: سخط كسرى على بوذرجمهر فحبسه في بيت مظلم، وأمر أن يصفد بالحديد فبقي أياماً على تلك الحال، فأرسل إليه من يسأله عن حاله، فإذا هو منشرح الصدر مطمئن النفس، فقالوا له: أنت في هذه الحالة من الضيق، ونراك ناعم البال، فقال: اصطنعت ستة أخلاط، وعجنتها واستعملتها فهي التي أبقتني على ما ترون قالوا: صف لنا هذه الأخلاط لعلنا ننتفع بها عند البلوى، فقال: نعم أما الخلط الأول فالثقة بالله عز وجل، وأما الثاني فكل مقدر كائن، وأما الثالث فالصبر خير ما استعمله الممتحن، وأما الرابع فإذا لم أصبر فماذا أصنع، ولا أعين على نفسي بالجزع، وأما الخامس فقد يكون أشد مما أنا فيه، وأما السادس فمن ساعة إلى ساعة فرج، فبلغ ما قاله كسرى، فأطلقه وأعزه.

قال الفضيل بن عياض: ألا ترون كيف يزوي الله سبحانه الدنيا عمن يحب؟ ويمررها عليهم مرة بالجوع، ومرة بالعري، ومرة بالحاجة، كما تصنع الأم الشفيقة بولدها تقمطه بالصبر مرة، وبالحضض مرة، وإنما تريد صلاحه.

لقي المنصور سفيان الثوري فقال له: ما يمنعك أن تأتينا يا أبا عبد الله؟ فقال: إن الله سبحانه نهانا عنكم حيث يقول: " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار " ودخل عليه يوماً وقد أرسل إليه، فقال له: سل حاجتك، قال أو تقضيها؟ ، قال: نعم، قال: حاجتي أن لا ترسل إلي حتى آتيك، ولا تعطيني شيئاً حتى أسألك. ثم خرج فقال المنصور: القينا الحب إلى العلماء فلقطوه، إلا ما كان من سفيان الثوري.

قال: أرسطو الغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة، أخذه الشاعر فقال:

الفقر في أوطانه غربة ... والمال في الغربة أوطان

وكان أبو الشمقمق أبو الرقعمق الشاعر الظريف المشهور قد لزم بيته لاطمار رثة كان يستحي أن

<<  <  ج: ص:  >  >>