إذا المرء لم يدنس من اللوم عرضه ... فكل رداء يرتديه جميل
أوردتها في المجلد الرابع. ثم قال إذا نظرنا إلى ما تضمنه من الجزالة خلناها زبراً من الحديد وهي مع ذلك سهلة مستعذبة غير فظة ولا غليظة ثم قال: وكذلك ورد للعرب في جانب الرقة ما كاد يذوب لرقته وأورد الأبيات المشهورة لعروة بن الأدية التي أولها:
إن التي زعمت فؤادك ملها ... خلقت هواك كما خلقت هوى لها
ثم قال ومما يرقص الأسماع ويزف على صفحات القلوب قول يزيد بن الطثرية:
بنفسي من لو مر برد بنانه ... على كبدي كانت شفاء أنامله
ومن هابني في كل شيء وهبته ... فلا هو يعطيني ولا أنا سائله
ثم قال: إذا كان ذا قول ساكن في الفلاة لا يرى إلا شيحة أو قيصومة، ولا يأكل إلا ضباً أو يربوعاً فما بال قوم سكنوا الحضر يتعاطون وحشي الألفاظ وشظف العبارات. ثم قال ولا يخلد إلى ذلك إلا جاهل بأسرار الفصاحة أو عاجز عن سلوك طريقها، فإن كل أحد يمكنه أن يأتي بالوحشي من الكلام وذلك بأن يلتقطه من كتب اللغة، أو يتلقفه من أربابها ثم قال: هذا العباس بن الأحنف قد كان من أوائل الشعراء في الإسلام وشعره كمر النسيم على عذبات أغصان أو كلؤلؤ آت طل على طرر ريحان، وليس فيه لفظة واحدة غريبة يحتاج إلى استخراجها من كتب اللغة فمن ذلك قوله:
وإني ليرضيني قليل نوالكم ... وإن كنت لا أرضى لكم بقليل
بحرمة ما قد كان بيني وبينكم ... من الود إلا عدتم بجميل
وهكذا ورد قوله في فوز التي كان يشبب بها في شعره:
يا فوزيا منية عباس ... قلبي يفدي قلبك القاسي
أسأت إذا أحسنت ظني بكم ... والحزم سوء الظن بالناس
يقلقني الشوق فآتيكم ... والقلب مملو من اليأس
وهل أعذب من هذه الألفاظ وأرشق من هذه الأبيات وأعلق في الخاطر، وأسرى في السمع؟ ولمثلها تخف رواجع الأوزان وعلى مثلها يسهر راقد الأجفان، وعن مثلها يتأخر السوابق عند الرهان ولم اجرها بلساني يوماً من الأيام إلا تذكرت، قول أبي الطيب المتنبي: