إذا شاء أن يلهو بلحية أحمق ... أراه غباري ثم قال له الحق
ومن ذا الذي يستطيع أن يسلك هذا الطريق التي هي سهلة وعروة قريبة بعيدة، وهذا أبو العتاهية كان في غرة الدولة العباسية، وشعراء العرب إذ ذاك كثيرون، وإذا تأملت شعره وجدته كالماء الجاري في رقة ألفاظه ولطافة سبك، وكذلك أبو نؤاس، ثم قال: ومن أشعار أبي العتاهية الرقيقة قوله في قصيدة يمدح بها المهدي ويشبب بجاريته عتب وكان أبو العتاهية يهواها:
ألا ما لسيدتي مالها ... تدل فأحمل إدلالها
لقد أتعب الله قلبي بها ... وأتعب في اللوم عذالها
كأن بعيني في حيثما ... سلكت من الأرض تمثالها
ومنها في المديح قوله
أتته الخلافة منقادة ... إليه تجرر أذيالها
فلم تك تصلح إلا له ... ولم يك يصلح إلا لها
ولو رامها أحد غيره ... لزلزلت الأرض زلزالها
ويحكى أن بشار كان حاضراً عند إنشاد أبي العتاهية هذه الأبيات، فقال: انظروا إلى أمير المؤمنين هل طار عن كرسيه؟ ولعمري أن الأمر كما قال بشار. واعلم أن هذه الأبيات من رقيق الشعر غزلاً ومديحاً، وقد أذعن لها شعراء ذلك العصر، وناهيك بهم ومع هذا تراها من السلامة واللطافة في أقصى الغايات، وهذا هو الكلام الذي يسمى السهل الممتنع فتراه يطيعك وإذا أردت مماثلاً له راغ عنك كما يروغ الثعلب، وهكذا ينبغي أن يكون الكلام، فإن خير الكلام ما دخل في الأذن بغير إذن، وأما البذائة والتوعر في الألفاظ فتلك أمة قد خلت ومع ذلك فقد عيب على مستعمليها في ذلك الوقت أيضاً.
قال ابن عباس لرجل في يده درهم: ليس لك حتى يخرج من يدك