الا رب هم يمنع الغمض دونه ... أقام كقبض الراحتين على الجمر
بسطت له وجهي لأكبت حاسداً ... وأبديت عن باب ضحوك وعن ثغر
وخطب كأطراف الأسنة والقنا ... ملكت عليه طاعة الدمع أن يجري
قال ابن الأثير في المثل السائر: إنس سافرت إلأى الشام في سنة سبع وثمانين وخمسمائة، ودخلت مدينة دمشق، فوجدت جماعة من أربابها يلهجون من شعر ابن الخياط من قصيدة أولها:
(خذا من صبا نجد أمانا لقلبه ... فقد كاد أن تكون لحبه)
فقلت لهم: هذا مأخوذ من قول أبي الطيب المتنبي:
(لو قلت للدنف المشوق فديته ... مما به لأغرته بفدائه)
وقول أبي الطيب أدق معنى وإن كان ابن الخياط أرق لفظا. ثم إني أوقفتهم على مواضع كثيرة من شعر ابن الخياط قد أخذها من شعر المتنبي، وسافرت إلى الديار المصرية في سنة ست وتسعين وخمسمائة فوجدت أهلها يعجبون من بيت يعزونه إلى شاعر من اليمن يقال له عمارة، وكان حديث عهد بزماننا هذا في آخر العلوية بمصر، وذلك اليمن من قصيدة يمدح بها بعض خلفائها عند قدومه عليه من الحجاز وهو قوله:
(فهل درى البيت أنى بعد فرقته ... ما سرت من حرم إلا إلى حرم)
فقلت لهم: هذا مأخوذ من قول أبي تمام يمدح بعض الخلفاء في حجة حجها، وهو قوله:
(يا من من رأى حرما يسري إلى حرم ... طوبى لمستلم يأتي وملتزم)
ثم قلت في نفسي: يا لله العجب! ليس أبو تمام وأبو الطيب من الشعراء الذين درست أشعارهم، ولا هما ممن لا يعرف ولا اشتهر أمره بل هما - كما يقال - أشهر من الشمس والقمر، وشعرهما دائر في أيدي الناس، فكيف خفي على أهل مصر ودمشق بيتا ابن الخياط وعمارة المؤخوذان من شعرهما؟ وعلمت حينئذ أن سبب ذلك عدم الحفظ