ولما كانت الجنة دار اللذات، وكانت اللذات مختلفة باختلاف أصناف الناس، لا جرم كانت لذات الجنة على أنواع شتى على ما جاءت به الكتب السماوية، ونطق به أصحاب الشرائع صلوات الله عليهم، ليعطي كل صنف ما يليق بحالهم منها. فإن كل حزب بما لديهم فرحون، والناس أعداء لما يجهلون. ورد في بعض الكتب السماوية: يا ابن آدم، لو كانت الدنيا كلها لك، لم يكن لك منها إلا القوت، فإذا أنا أعطيتك منها القوت، وجعلت حسابها على غيرك فأنا إليك محسن أم لا؟ من الإحياء: لما ولى عثمان بن عفان رضي الله عنه ابن عباس رضي الله عنهما أتاه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يهنئونه، وأبطأ عنه أبو ذر، وكان له صديقا، فعاتبه ابن عباس، فقال أبو ذر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الرجل إذا ولى ولاية تباعد الله عنه ". قال بعض العارفين: رأيت الفضيل يوم عرفة والناس يدعون وهو يبكى بكاء الثكلى الحزينة، حتى إذا كادت الشمس تغرب رفع رأسه إلى السماء قابضا على لحيته وقال: واسوأتاه منك وإن غفرت، ثم انقلب مع الناس. ورد في بعض التفاسير: في تفسير قوله تعلى: {إنه كان للأوابين غفورا} أن الأواب هو الرجل يذب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب. ابن مسعود إن للجنة ثمانية أبواب كلها تفتح وتغلق، إلا باب التوبة فإن عليه ملكا موكلا لا يغلق. من الإحياء: قدم هشام بن عبد الملك حاجا أيام خلافته، فقال ائتوني برجل من الصحابة فقيل قد تفانوا، قال فمن التابعين، فأتى بطاوس اليماني، فلما دخل عليعه خلع نعله بحاشية بساطه ولم يسلم عليه بأمرة المؤمنين، بل قال: السلام عليك ولم يكنه، ولكن جلس بإزائه وقال: كيف أنت يا هشام؟ فغضب هشام غضبا شديدا وقال: يا طاوس ما الذي حملك على ما صنعت؟ فقال وما صعنت؟ فغزداد غضبه وقال: خلعت نعلك بحاشية بساطي، ولم تسلم علي بأمره المؤمنين ولم تكنني، وجلست بازائي، وقلت كيف أنت يا هشام. فقال طاوس: أما خلع نعلي بحاشبة بساطك فإني أخلعها بين يدي رب العزة كل يوم خمس مرات فلا يغضب علي لذلك، وأما قولك لم تسلم علي بأمرة المؤمنين فليس كل الناس راضين بأمرتك فكرهت أن أكذب. وأما قولك لم تكنني فإن الله تعالى سمى أولياءه فقال يا داود يا يحيى يا عيسى، وكنى أعداءه، فقال: تبت يدا أبي لهب. وأما قولك