(فقل للذي ذم صرف الزمان ... ظلمت الزمان فذم البشر)
كانت علية بنت المهدي أخت هارون الرشيد من أجمل الناس وأظرفهم، وأعقلهم. وأشعرهم، وأمهرهم في صناعة الموسيقى والألحان. وكانت عفيفة، حسنة الدين، لا تغني ولا تشرب إلا أيام اعتزالها الصلاة، فإذا طهرت لازمت الصلاة. وتلاوة القرآن. ومن كلامها: ما حرم الله تعالى شيئا إلا وجعل فيما حلل عوضا عنه، فبأي شيء يحتج عاصيه. وهي التي كانت تهوى غلاما للرشيد وحكايتها فيه مشهورة. وقد أوردتها في المجلد الأول من الكشكول، وفي أولها أبيات رائعة فمن ذلك قولها:
(وضع الحب على الحور فلو ... أنصف المعشوق فيه لسمج)
(ليس يستحسن في فن الهوى ... عاشق يحسن تأليف الحجج)
للرشيد في جواريه الثلاث:
(ملك الثلاث الآنسات عناني ... وحللن من قلبي بكل مكان)
(ما لي تطاوعني البرية كلها ... وأطيعهن وهن في عصياني)
(ما ذاك إلا حكم سلطان الهوى ... وبه غلبن أعز من سلطاني)
مما قله أمير المؤمنين علي في مرثية النبي [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -] :
(كنت السواد لناظري ... فبكى عليك الناظر)
(من شاء بعدك فليمت ... فعليك كنت أحاذر)
قالت امرأة بعض الأجواد لزوجها: أما ترى أصحابك إذا أيسرت لزموك، وإذا أعسرت رفضوك. فقال هذا من كرم نفوسهم، يأتوننا في حال القوة منا على الإحسان إليهم، ويتركوننا في حال الضعف عنهم.
وفد بعض الشعراء على زبيدة فقال في مدحها:
(أزبيدة ابنة جعفر ... طوبى لزائرك المثاب)
(تعطيه من رجليك ما ... تعطي الأكف من الرغاب)
فوثب الخدم لضربه، فقالت كفوا عنه، فما قصد ما فهمتوه، إنه لما رأى الناس يقولون شمال فلان أندى من كل يمين، أراد أن ينسج على هذا المنوال.
ومن شعر السهروردي:
(وكم قلت للقوم أنتم على ... شفا حفرة من كتاب الشفا)