للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الطويل ليروي، وحب التفرد إلى أمور لازمة للأغراض النفسانية لا للأعمال الربانية، فإذا كان طلبك للحديث محفوفًا بهذه الآفات، فمتى خلاصك منها إلى الإخلاص؟

قال الذهبي: وإذا كان علم الآثار مدخولاً، فما ظنك بعلم المنطق والجدل وحكمة الأوائل التي تسلب الإيمان، وتورث الشكوك والحيرة التي لم تكن والله! من علم الصحابة، ولا من علم الأوزاعي والثوري، والأئمة الأربعة، ولا عرفها أصحاب الأمهات الستة وأمثالُهم، بل كانت علومهم القرآن والحديث والفقه والنحو وشبيه ذلك، قال الثوري: ما من علم أفضل من طلب الحديث إذا صحت النية؛ يعني: طلبه للعمل مع الإخلاص، لا لغيره. قال: وفي زمان هذه الطبقة كان الإسلام وأهله في عز تام، وعلم غزير، وأعلام الجهاد منشورة، والسنن مشهورة، والبدع مكبوبة، والقوالون بالحق كثير، والعباد متوافرون، والناس في بُلَهْنِيَة - أي: سعة من العيش - بالأمن، وكثرة الجيوش المحمدية من أقصى المغرب وجزيرة الأندلس إلى قرب مملكة الخطا، وبعض الهند، وإلى الحبشة، وخلفاء هذا الزمان: أبو جعفر المنصور، ثم ابنه المهدي، ثم هارون الرشيد، وكان محبًا للسنن، قال: وكان في هذا الوقت من الصالحين مثل إبراهيم بن أدهم، وفلان وفلان، ومن النحاة: الخليل، ومن القراء كحمزة، ومن الشعراء عدد كثير، قال: وإنما اقتصرت على هؤلاء - الذين هم نيف وسبعون إمامًا - طلبًا للتخفيف.

ثم ذكر الطبقة السادسة، وهم تسعة وتسعون إمامًا، منهم: أبو يوسف القاضي - صاحب أبي حنيفة -، وحكى عنه: أنه قال: كل ما أفتيتُ به فقد رجعتُ عنه إلا ما وافق الكتاب والسنة، وفي لفظ: إلا ما وافق القرآن، واجتمع عليه المسلمون، ومنهم: يحيى بن القطان. قال: وكان له مسبحة يسبح بها، توفي سنة ١٩٨. ومنهم: عبد الله بن وهب بن مسلم الفهري أحد الأعلام، قال: وكان ثقة حجة حافظًا مجتهدًا لا يقلد أحدًا، مات سنة ١٩٩. ومنهم: النضر بن شميل، قال أبو حاتم: هو صاحب سنة، وقال ابن المصعب: هو أول من أظهر

<<  <   >  >>