للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السنة بمرو وخراسان، ومن لطائفه: أنه قال: لا يجد الرجل لذة العلم حتى يجوع وينسى جوعه. ثم قال: وكان في زمان هؤلاء خلائق من أصحاب الحديث؛ كالترمذي، وأمثاله، ومن مشائخ القوم؛ كشقيق البلخي، ونظرائه، والدولة لهارون الرشيد والبرامكة، ثم بعدهم اضطربت الأمور، وضعف أمر الدولة بخلافة الأمين، فلما قتل، واستخلف المأمون على رأس مئتين، نجم التشيُّع، وأبدى صفحته، وبزغ فجر الكلام، وعُرِّبت حكمةُ الأوائل، ومنطقُ اليونان، وعمل رصد الكواكب، ونشأ للناس علم جديد لا يطابق أحكام النبوة، ولا يوافق توحيد المؤمنين، وكانت الأمة في عافية قبل ذلك، وقويت شوكة الرافضة والمعتزلة، وحمل المأمون المسلمين على القول بخلق القرآن، ودعاهم إليه، وامتحن العلماء.

قال الذهبي: وإن من البلاء أن تعرف ما كنت تنكر، وتنكر ما كنت تعرف، وتقدم عقول الفلاسفة، وتعتزل منقول اتباع الرسل، وتماري في القرآن، وتنبرم بالسنن والآثار، وتقع في الحيرة، فالفرارَ الفرارَ قبل حلول الدمار، وإياك ومضلات الأهواء ومجاراة العقول {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران: ١٠١].

ثم ذكر الطبقة السابعة من حفاظ العلم النبوي، وقال: هم عدد كثير، واقتصرتُ منهم على الأعلام، وهم مئة نفس - رحمهم الله تعالى -، قال: ومنهم: الشعبي البصري، قيل له: رجع أبو حنيفة عن مسائل كثيرة، قال: إنما يرجع الفقيه إذا اتسع علمه، ومن كلامه: ليس الدين بالكلام، إنما الدين بالآثار، ومنهم: الإمام الشافعي، كان حافظًا للحديث، بصيرًا بعلله، ومنهم: حفصُ بن عبد الله، عالمُ نيسابور وقاضيها، وكان لا يقضي بالرأي ألبتة. روى الذهبي بسنده عنه إلى سالم: أنه سمع رجلًا من أهل الشام يسأل ابن عمر عن التمتع بالعمرة إلى الحج؟ فقال: هي الحلال، قال السائل: إن أباك قد نهى عنها، قال: أرأيتَ إن كان أبي قد نهى عنها، وقد صنعها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، أتتبع أمرَ أبي، أم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: قد صنعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

<<  <   >  >>