يكون كاذبا والكذب لم يتهمه به أحد ممن عاصره ولا ممن جاء بعده فلم يبق إلا أنه صادق، وكون ابن المبارك روى هذا الحديث عن عبد اللَّه بن المؤمل لا يمغ من كوته رواه عن ابن أبي الموالى كما أن سفيان بن عيينة إذ رواه عن ابن أبي نجيح لا يمنع من كونه رواه عن ابن المؤمل لا سيما ولكل من الشيخين إسناد، فابن المؤمل رواه عن أبي الزبير، وابن أبي الموالى رواه عن ابن المنكدر، وقد كان كبار الحفاظ الأقدمين لايعدون عندهم الحديث ما لم يكتبونه من طرق متعددة لاسيما ومحمد بن المنكدر من ألزم الناس لجابر بن عبد اللَّه وأرواهم عنه وأحفظهم لحديثه، فكيف لا يكون عنده مثل هذا الحديث خصوصا وقد أخير أبو الزبير أن جابرا حدث به الجماعة وهم عنده؟! ويبعد غالبا أن يغيب عنهم ابن المنكدر، وإذا كان عند ابن المنكدر فيبعد كل البعد أن لا يحدث به.
فما ذكره الحافظ هو إلى المغالطة أقرب منه إلى التحقيق، وقد صرح هو بان له طريقا آخر عن أبي الزبير أيضًا أخرجه الطبرانى في الأوسط، فهذه أربعة طرق عن أبي الزبير عن جابر، وطريق من رواية محمد بن المنكدر عنه، فهو إذا على شرط الصحيح فكيف إذا ضم إليه حديث ابن عباس الذي هو على شرط الصحيح أيضًا فإن الحاكم لما خرجه في المستدرك قال [١/ ٤٧٣]: هذا حديث صحيح الإسناد إن سلم من الجارودى.
قلت: والجارودى صدوق كما قال الخطيب وابن القطان والذهبى في ترجمة عمر بن الحسن الأشنانى وجماعة آخرهم الحافظ إلا أنه زعم أن الجارودى أخطأ في وصله وإنما رواه ابن عيينة موقوفًا على مجاهد، كذلك حدث به عنه حفاظ أصحابه كالحميدى وابن أبي عمر العدنى وسعيد بن منصور وغيرهم اهـ.
وهذا أيضًا غير مقبول من الحافظ لوجوه، أحدها: أن هذا مما لا مجال للرأى