للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مقدّمة

علوم البلاغة ثلاثة من علوم العربية تتداخل معها وتتكامل؛ إذ من شروط البلاغة «توخّي الدّقة في انتقاء الكلمات والأساليب على حسب مواطن الكلام ومواقعه وموضوعات من يكتب لهم أو يلقى إليهم» ومردّ البلاغة عموما إلى الذّوق. وتعنى الفصاحة بالمفرد عنايتها بالتركيب، لهذا روعيت قواعد الصرف والنحو والصوّت في سلامة النطق، وخلوّ المفرد من تنافر الحروف، وبعده عن الحوشيّة والغرابة ومخالفة القياس اللغوي. وكان من شروط فصاحة المركّب سلامته من ضعف التأليف، ومن التعقيد اللفظي والمعنوي، بهذا كلّه عدّت البلاغة أكمل علوم اللغة وأغناها وأدقّها فائدة.

نشأت هذه العلوم لخدمة النصّ القرآني المعجز الذي كان- ولا يزال- شغل الدارسين الشاغل؛ فهو النصّ الذي تحدّى بلاغة القوم فاحتاج إلى دراسات تشرح إعجازه، وتبيّن مجازه، وتجلو حقيقته وكناياته ولطيف إشاراته. من هنا هذا الكمّ من الكتب البلاغية التي تناولت النصّ الشريف ككتاب مجاز القرآن لأبي عبيدة، ومعاني القرآن للفرّاء، وكتاب تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، وكتاب النكت في إعجاز القرآن للرمّاني، وكتاب بيان إعجاز القرآن للخطّابي، وكتاب إعجاز القرآن للباقلّاني، وآخر بالعنوان نفسه للقاضي عبد الجبّار، وصولا إلى كتاب دلائل الإعجاز للجرجاني. هكذا شغل القرآن الكريم الدارسين.

ولهذا جعل أبو هلال العسكري تعلّم البلاغة فرضا على من يريد التعرّف إلى بلاغة القرآن وإعجازه، وذهب إلى القول: «إن أحق العلوم بالتعلم، وأولاها بالتحفظ- بعد المعرفة بالله جل ثناؤه- علم البلاغة، ومعرفة الفصاحة، الذي به يعرف إعجاز كتاب الله».

<<  <   >  >>