للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٢ - ١ - دلالة المصطلح في الحقبة الأولى]

أطلق مصطلح البديع في هذه الحقبة على الشعر المحدث الذي أتى به شعراء العصر العباسي المجددون. ويبدو أن الشعراء أنفسهم أول من أطلق هذا المصطلح على الشعر الجديد المتميّز عن سابقه بجمالية التعبير وحداثته. دليلنا على ذلك ما جاء في ترجمة صريع الغواني (مسلم بن الوليد ت ٢٠٨ هـ) من أنه (١) «أول من قال الشعر المعروف بالبديع، هو لقب هذا الجنس البديع واللطيف. وتبعه فيه جماعة، وأشهرهم فيه أبو تمام الطائي فإنه جعل شعره كله مذهبا واحدا فيه. ومسلم كان متفنّنا متصرفا في شعره» ويبدو أن المعنى القاموسي قد رجحت كفته في هذا المصطلح لأن الافتنان والتصرف الذي يعني الإتيان بالجديد المتميز هما الطاغيان على دلالته.

ولكن هذا الجديد الذي أتى به مسلم لم يكن محمودا في عصره لذلك روى الأصفهاني قول أحدهم الذي جاء فيه (٢) «أول من أفسد الشعر مسلم بن الوليد، جاء بهذا الذي سمّاه الناس البديع، ثم جاء الطائي بعده فتفنّن فيه».

ويبدو أن الجاحظ (ت ٢٥٥ هـ) قد سبق إلى هذا المصطلح في الدراسات البلاغية حيث قال (٣): «ومن الخطباء الشعراء ممن كان يجمع الخطابة والشعر الجيد والرسائل الفاخرة مع البيان الحسن: كلثوم بن عمرو العتّابي، وكنتيته أبو عمرو، وعلى ألفاظه وحذوه ومثاله في البديع يقول جميع من يتكلف مثل ذلك من شعراء المولّدين، كنحو منصور النّمري، ومسلم بن الوليد الأنصاري وأشباههما».


(١). الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩/ ٣١.
(٢). م. ن ١٩/ ٣١.
(٣). البيان والتبيين، الجاحظ ١/ ٥١.

<<  <   >  >>