حتى كان تكرارهما مدروسا فاشتد من خلال التكرار عمق شعورنا بالمأساة، وكانت الكلمة منطلقا ولم تكن مجرد متكأ يتوكأ عليه الشاعر منطلقا إلى موضوعات جديدة. لهذا كان هذا التكرار مدروسا ساعد الشاعر على إفراغ عواطفه وإبراز انفعالاته المتفجرة وكانت المرة الأولى تدفع إلى شيء لاحق وهكذا على التوالي حتى بقيت طاقة الإيحاء فيها مهيمنة، ولم يكن التكرار سبيلا إلى السأم وتهرؤ الصيغ ومعانيها.
ليحافظ الشاعر على ألق العبارة يجب أن يكون التكرار في قصيدته مدروسا يبعد شبح الموت عن المعاني المكررة، ويبعث ألقا في الألفاظ بحيث تحتفظ بقدرتها الإيحائية العاملة على إثارة جديد لاحق لا إماتة معنى يشيع على مساحة القصيدة.
[٣ - ٣ - الأسلوب]
جاء في اللسان (سلب)«يقال للسّطر من النخيل: أسلوب. وكل طريق ممتدّ فهو أسلوب: قال: والأسلوب الطريق والوجه والمذهب ...
والأسلوب: الطريق تأخذ فيه، ... والأسلوب: الفن، يقال: أخذ فلان في أساليب من القول، أي: أفانين منه».
يكتشف المتأمل في هذا الكلام المعنى القديم للأسلوب والأصل الذي بقي محافظا على كيانه يوم توسّعت الدلالة وانزاحت من سطر النخيل إلى سطر الكلام، حتى استقرّت دلالته بوشاحها الفني فالأسلوب هو الفن. وأساليب القول: أفانينه، ولعلّه من الضروري الكلام على الأساليب لأن أساليب القول هي التي أنشأت مذاهب أدبية وتيارات ومدارس شعرية. وقد جمح بعض الكتاب والشعراء في العناية بنتاجهم حتى قدّموا الأسلوب على الأفكار. وذهب بعضهم إلى القول: ليس المهم ما تقول، بل المهم كيف تقول. وشعراء الحداثة لم يثوروا على مضمون القصيدة بقدر ما ثاروا على مبناها وأسلوبها. وهذا أدونيس