الذي سمّاه المحدثون البديع، ليعلم أن بشّارا، ومسلما، وأبا نواس، ومن تقيّلهم (حذا حذوهم)، وسلك سبيلهم لم يسبقوا إلى هذا الفن ولكنه كثر في أشعارهم فعرف في زمانهم حتى سمّي بهذا الاسم، ثم إن حبيب بن أوس
الطائي من بعدهم شعف به حتى غلب عليه وتفرع فيه، وأكثر منه، فأحسن في بعض ذلك، وأساء في بعض، وتلك عقبى الإفراط وثمرة الإسراف».
لنا عودة إلى كتاب البديع نفصّل فيها الكلام على أهمية الكتاب وذلك في مقدّمة علم البديع.
[٢ - ٣ - علاقة البلاغة بالخطابة]
كتب د. طه حسين بحثا بالفرنسية ترجمه إلى العربية عبد الحميد العبادي، وتصدّر كتاب نقد النثر لأبي الفرج قدامة بن جعفر الكاتب البغدادي (ت ٣٣٧ هـ). وهو بعنوان (تمهيد في البيان العربي من الجاحظ إلى عبد القاهر)، ذهب فيه إلى أن الجاحظ (١) وضع في كتابه البيان والتبيين أسس الخطابة البليغة قبل أن يطلع العرب على كتاب الخطابة لأرسطو. ولما ترجم كتاب الخطابة لأرسطو صار للعرب بيانان، أحدهما عربي والآخر يوناني.
والخطبة على علاقة وطيدة بالقصيدة لأن القصيدة كانت تلقى في حفل، ولأنها تهدف مثلها في كثير من الأحيان إلى الإقناع والتأثير. ألم تكن معلقة الحرث بن حلزة خطبة عصماء أقنعت الملك عمرو بن هند وأبعدت منافسه التغلبي عمرو بن كلثوم؟ والخطبة فيها كالقصيدة عناية بفنون التعبير. لهذا بسط النقاد كلامهم على ما فيها من سجع، وطباق، وجناس، ومقابلة، وتشبيه ومجاز ... الخ.
(١) كتاب نقد النثر، دار الكتب العلمية بيروت ص ١ وما بعدها.