للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ثالثا: خروج الخبر عن مقتضى الظاهر.]

عرفنا سابقا أن الخبر إذا ألقي خاليا من التوكيد لخالي الذهن، ومؤكّدا استحسانا للسائل المتردّد، ومؤكدا وجوبا للمنكر، كان ذلك الخبر جاريا على مقتضى الظاهر.

لكنّ الخبر قد يجري على خلاف ما يقتضيه الظاهر لاعتبارات يلحظها المتكلم. من ذلك:

أ. أنّ ينزّل خالي الذهن منزلة السائل المتردّد إذا تقدّم في الكلام ما يشير الى حكم الخبر.

ومثاله قوله تعالى: .. وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ هود: ٣٧.

تخاطب الآية نوحا عليه السلام، ونوح خالي الذهن من الحكم الخاص بالظالمين، وكان مقتضى الظاهر أن يلقى إليه الخبر غير مؤكد.

والآية جاءت بالتوكيد، وذلك لأن الله تعالى عندما نهى نوحا عن مخاطبته في شأن مخالفيه دفعه ذلك الى التطلع إلى ما سيصيبهم، فنزل لذلك منزلة السائل المتردّد، فأجيب بقوله: إنّهم مغرقون.

[ب. أن يجعل غير المنكر كالمنكر لظهور أمارات الإنكار عليه.]

ومثاله قوله تعالى: ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ المؤمنون: ١٥.

المخاطبون في هذه الآية لا ينكرون الحكم الذي تضمنّته، ولكن ظهور أمارات الإنكار عليهم نزّلهم منزلة المنكرين، فألقي إليهم الخبر مؤكدا بمؤكدين.

ومثاله قول حجل بن فضلة القيسي (الخفيف).

جاء شقيق عارضا رمحه ... إنّ بني عمّك فيهم رماح

<<  <   >  >>