ثم تلاهما أبو هلال العسكري (ت ٣٩٦ هـ) في كتاب الصناعتين الذي ابتكر فيه ستة أنواع، وأخرج منه أنواعا رأى أنها تنضوي تحت بابي: المعاني والبيان، فنحا البديع معه منحى متخصصا.
وقد اعترف العسكري أن القدامى سبقوه إلى تسعة وعشرين نوعا بلاغيا، وأنه ابتكر ستة أنواع هي: التشطير، والمجاورة، والتطريز، والمضاعف، والاستشهاد، والتلطّف. وجاء علم البديع في الباب التاسع من أبواب الكتاب وقسمه إلى خمسة وثلاثين فصلا هي: الاستعارة والمجاز، والتطبيق، والتجنيس، المقابلة، صحّة التقسيم، صحّة التفسير، الإشارة، الأرداف والتوابع، المماثلة، الغلوّ، المبالغة، الكناية والتعريض، العكس والتبديل، التذييل، الترصيع، الإيغال، الترشيح، ردّ الأعجاز على الصدور، التكميل والتتميم، الالتفات، الاعتراض، الرجوع، تجاهل العارف، الاستطراد، جمع المؤتلف والمختلف، السلب والإيجاب، الاستثناء، المذهب الكلامي، التشطير، المحاورة، الاستشهاد والاحتجاج، التعطف، المضاعف، التطريز، التلطّف.
وادّعى العسكري أنه بذلك حصر أنواع البديع، منتهيا إلى رأي شبيه برأي ابن المعتز القائل إن الأقدمين عرفوا هذه الأنواع، وأن المحدثين أسرفوا فيها حتى اشتهروا بها. وقد صرّح برأيه هذا قائلا (١):
«فهذه أنواع البديع التي ادعى من لا رواية له ولا دراية عنده أن المحدثين ابتكروها، وأن القدماء لم يعرفوها، وذلك لما أراد أن يفخّم أمر المحدثين؛ لأن هذا النوع من الكلام إذا سلم من التكلف، وبرئ من العيوب، كان في غاية الحسن ونهاية الجودة».
لقد توسّع مفهوم البديع عند العسكري حتى بدا وكأنه مترادف مع البلاغة في مفهومها العام.