فهي تشخّص الشجر فتخاطبه وتنسب إليه الجزع وهما من صفات الإنسان، وتوبّخه على فعلته وكأنها تجهل أن الشّجر لن يكفّ عن الاخضرار حزنا على أحد.
ومن مظاهره أيضا المبالغة في القدح والذّم كما في قول زهير:
وما أدري، وسوف إخال أدري ... أقوم آل حصن أم نساء؟
فهل يجهل الفرق بين النساء والرّجال؟ هل التبس عليه الأمر؟
أم أنّه يبالغ في الذمّ فيجرّد آل حصن من كل صفات الرجال، ويجعلهم نساء خائفات منزويات متقاعسات عن التصدّي للعدوان والثأر للكرامة.
ومنه أيضا التولّه في الحبّ كما في قول أحدهم:
بالله يا ظبيات القاع قلن لنا ... ليلاي منكنّ أم ليلى من البشر؟
فالشاعر يشبّه ليلاه بالظبية وهذا وجه متداول في التشبيه لكنّه بعد أن خبله الحبّ بات عاجزا عن تمييز ليلاه عن الظباء فيسألها هل ليلى منكن؟ أم هي من البشر؟ ترى هذا السؤال عن الحقيقة المجهولة أو المتجاهلة؟ أليس المقصود من السؤال إظهار جموح الحبّ الذي ذهب ببصره وبصيرته فبات غير قادر على التمييز بين الظبية الحقيقية والظبية الموهومة؟
وهناك مظاهر أخرى يمكن شرحها والتعرّف إلى أسرارها قياسا على ما حلّلناه لك من أمثلة وشواهد.