وإن كان بما عداه يصير خابرا، لأن آيات الأعلام في كتاب الله أكثر من آيات الأحكام. وقد ذم الله تعالى وجل ثناؤه {الذين جعلوا القرآن عضين، وأقسم ليسألنهم أجمعين: عما كانوا يعملون}، فكيف يسع عاقلا أن يحتذي حذو مسئول في القيامة ملوم، أو موبخ فيها مذموم. وكما نزل القرآن بالأعلام والأحكام، فكذلك قد نزل بالآداب ومكارم الأخلاق، والإنابة عن حقائق العبودة التي تلزم المكلفين أن يأخذوا بها أنفسهم فيكونوا لله داخرين. وفصلت السنة، ولخصت منها ما فصلت من حمل الأحكام، ولخصت مع جوامع الحلال والحرام، ونهجت للناس من الآداب المحمودة والسنن المرضية، في إقامة العبادات ووجه المعاشرات والمعاملات. وما يحق لكل امرئ أن يحافظ عليه في نفسه ومع غيره مثل ما نهجت لهم من أحكام المعاقدات والجنايات والمظالم والخصومات وما شيء من ذلك إلا وإلى القرآن مرجعه، وإلى بعض معانيه منزعه. فمن ألحق هذه الأبواب بالزوائد والفصول، وميزها عن سائر الأركان والفصول، لم يحصل من علم الدين إلا على القليل، وتلك منزلة لا يحمدها أهل الحصافة والتحصيل. وإذا كان هذا حال من لا ينظر في هذه الأبواب غفلة واشتغالا عنها بغيرها، فكيف بمن يسمي الحديث حشوا، والتفسير قصصا؟ وإذا سمع شيئا من محاسن الشريعة قال: هذا متاع المدكرين. فإن نبأ عنه فهمه قال: إنه كلام المبتدعين. وإن جرى عنده علم اللسان قال: هذا علم المؤدبين. فإن من كان هذا رأيه في هذه الأبواب لم يطلب علمها ولم يحم حولها، لأنه إنما يطلب علم الشيء من عرف قدره ومال إليه قلبه. والعلم لا يتعرض لكارهيه. ولا يتصدى للزاهدين فيه، وما الناس وإن تمنوه بنائليه، حتى يطلبوه أجد الطلب، ويرغبوا فيه أشد الرغب، وما هو بمعطيهم بعضه حتى يعطوه كلهم، وإذا أعطوه كلهم كانوا من إعطائه إياهم البعض على خطر، فكانت عاقبة هؤلاء الراصنين من علم الدين بأيسره والظانين إنهم قد حصلوا على جمهوره أو أكثره، وإن خسروا منه ووزروا من عظيم الإثم وما وزروا بنبزهم إخوانهم الذين جدوا في طلب الآثار وجمع