خالقه، ولعل بعض المنهمكين في المعاصي خير منه في بعض المعاصي، لأنه إن لم يخف الله تعالى جده لم يخف من دونه، ومن كانت طاعته من أحد الوجوه التي تقدم ذكرها لا يخاف الله ويخاف من دونه، ومن لا يقدم أحدا على الله في حذره أمثل حالا ممن يقدم خلق الله على الله في بره. فأما حال هؤلاء المذكورين في الشغل بعلم الدين فسوف يقرب من حالهم في العمل بشرائعه، لأنهم إذا خصوا بالعمل أياما بأعيانها خصوها كذلك بطلب علمها، وأما ما خرج من جملتها مما يدخل في جملة الأبواب التي كتبناها في شعب الإيمان وتوخينا شرح ما فيها مما تيسر من البيان ومما يرجع إلى علم القرآن تفسيره وتأويله ومحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه، وعلم السنن مستفيضها وشاذها، وموصولها ومقطوعها، ومسندها وموقوفها، ومختلفها ومتفقها، وعلم الاجماع والاختلاف، واللسان الذي نزل به القرآن، وجاءت به السنن والآثار، فإن الأكثرين عنه معرضون، ولم قد يستغنى عنه في أغلب الأحوال عليه مؤثرون. قد رضوا في التوحيد لأنفسهم بمحض التقليد وعابوا الذين جاهدوا أعداء الله تعالى جده فيه، بالكلام الذي يقصر عنه نوافد الهام، والجدال الذي لا يبلغ شأوه شديد القتال، حتى أقاموا قناة الدين، وهدموا بنيان الملحدين، وبلغوا في نصرة الإسلام وأمانة ما نصب الله عليه من الأعلام ما لم تقارب ملي ولا معطل في نصرة قوله مقداره، ولم يبلغ في تأييده والدفع عنه معشاره، وما تركوا لمخالفيهم حجة إلا أدحضوها، ولا علة إلا نقضوها، ولا شبهة إلا جلوها، فليس لهم اليوم بحمد الله كلام يروع مؤمنا، أو يشكل موقنا، وما يخلفهم عن الدخول في دين الله إلا العناد وحب الفساد. ثم إن هؤلاء الموفقين لنصرة الله، القائمين بحق هذه الدعوة ما خصموا أضدادهم إلا بالقرآن وبما أودعه الله تعالى من البيان إلا أنهم لم يقنعوا بعلم ما ظهر منه وتجلى دون الإحاطة بما يظن منه واختفى، ولا بالوقوف على ما يتلى من تنزيله، دون الوصول إلى ما يدل من تأويله، فصرفوا عظم همهم إليه، وقصروا جل شغلهم عليه. حتى أدركوا حقائق ما جاءهم به الرسول، واستبان لهم من قبلها الصحيح والمعلول، وجدوا بعد ذلك واجتهدوا وقرروا مما عرفوا لكل شبهة مدفعا ومن كل معضلة مخرجا، فمن فارقهم في علن ما نزل من القرآن، في هذا العظيم من الشأن، كان لمعظم القرآن هاجرا،