فأما قبول الجزية فإن تخلية، لأن ذلك يتأبد ولا يتأقت، والتخلية غير لائقة بحاله. وإن استرق عزل، لأن نفسه صارت مأخوذة عنه بالاسترقاق، وصار الحق فيها استرقاقه. فإن كان تعطله عن الدين يوجب أن لا يخل والتنعم بنفسه فهو إذا استرق، فلم تخل له نفسه، لأنه إذا أراد أن يقعد قيم، وإذا أراد أن ينام أن يلبث سير. وإذا أراد أن يسير فلم تخل له نفسه لأنه إذا أراد أن يقعد قيم، وإذا أراد أن ينام أزعج، وإذا أراد أن يلبث سير، وإذا أراد أن يسير لبث. ولا يأكل إلا إذا أطعم. وتحقيق ما قلنا أنه لا يمكنه استيفاء نفسه إلا بالمال والرق، يحول بينه وبين ملك المال، فقد حال إذا بينه وبين استبقاء نفسه، فظهر بذلك إنه زائل السلطان عن نفسه والله أعلم.
وإذا عرض المسلمين ما يحول بينهم وبين الجهاد، فرأى الإمام أن يهادن المشركين، فإن كانت بالمسلمين قوة، إلا أنهم اشتغلوا ببعض أمورهم عن الجهاد لم يكن للإمام أن يهادن أحدًا من المشركين. فإن كانت بالمسلمين أكثر من أربعة سنين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان هادنهم أكثر من ذلك. فلما قوي الإسلام رد الله تلك الهدنة إلى أربعة أشهر. وإن كانت بالمسلمين قلة العدد والعتاد، وعلموا أنهم لا يطيقون ابتداء المشركين بالقتال، ولا دفعهم عن أنفسهم أن يدرأوهم، فللإمام أن يهادنهم عشر سنين. فإذا قوى المسلمون وزالت العلة نقض الصلح كما نقضه الله تعالى لما دخل الناس في دين الله أفواجًا، وقوي الإسلام وظهر الحق، ورد الأمر إلى أربعة أشهر والله أعلم.
ولا يحل أن يهادنهم على ما يطيقونه إلا في حال قتال يخاف فيها الاصطدام ولن يكون ذلك أبدًا إن شاء الله تعالى.