للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يشبهوا على مسلم فيسقوه خمرًا أو يطعموه خنزيرًا. وإن من ذكر منهم كتاب الله أو نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم ما لا نطلبه الإسلام، أو طعن في دين الإسلام، أو زنا بمسلمة أو أصابها باسم نكاح، أو غير مسلمًا عن دينه، أو تعرض لأن يفتنه، أو قطع على مسلم طريقًا، أو أعان على أهل الحرب بدلالة على المسلمين أو آوى عتيًا، فقد نقض عهده وأحل دمه وبرئت منه ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم.

فكيف يتوهم عاقل لأجل إقرارنا إياهم في دار الإسلام بالجزية مع هذه العهود الغليظة والمواثيق المحكمة، إن قتالنا إياهم على المال لا على الدين، وإن القتال لو كان لأجل المال لما رضينا بدينار من كل رأس في سنة، ولما شققنا عليهم بهذه الشروط، بل كنا نزيد في المال وننقص من الشروط. ولكنا لا نسقط المال ونضعه عنهم إذا أسلموا، فلما كنا نزيل المطالبة بالمال عنهم إذا أسلموا، وإذا لم يسلموا فوضعنا المال عليهم، قللنا المال وخففنا، وأكثرنا الشروط وغلظنا. فقد خففنا عند من يعقله، ويتصف بما لا يزيد بإيمانهم على الجزية إلا ما يزيد بنفس القتال من التسبب إلى أفعالهم في دين الحق. وصرف قلوبهم عن الباطل الذي هم فيه وبالله التوفيق.

وأما الكفار غير أهل الكتاب، فإن الجزية لا تقبل منهم، لأن قبولها من أهل الكتاب إنما كان لاستثنائهم رجاء أن يضمنوا شروط دين الحق إلى القليل من أصل الدين الذين هم متمسكون به. وأن يجذفوا عن ذلك الأصل ما ضمنوه إليه مما هو غير لائق به. فمن تجرد عن الديانة أصلًا وتمسك بما لم يكن دينًا لله تعالى قط، ولم يبعث به رسولًا، ولا أنزل به كتابًا، ولا رضي من أحد به دينًا، فلا معنى أن يترك نفسه عليه وهي مخلوقة للعبادة لا لغيرها وهو حابسها عن نفسه. فأنا نعلم أن من كان له مملوك قد اشتراه، فامتنع من خدمته أصلًا من غير عدة، كان له أن يؤذيه ويضربه أن يمهله وينظره، فإذا كان جنس المملوك المشتري للخدمة، خدمته توجب عليه أن لا يخل والتنعيم بنفسه لكن يضرب ويؤدى ويؤدب. فحبس المملوك المخلوق للخدمة عن الخالق خدمته، أولى أن توجب عليه أن لا يخلى والتنعم بنفسه والله أعلم. فإن استأمن على أن يدخل دار الإسلام لحاجة يبلغها في مدة قريبة جاز، لأن ذلك انتظار، وليس بتخليه، وقد يرجى أن يستبصر في هذه المدة، وينفعه الاختلاط بالمسلمين، والسماع بينهم، فكذلك أجبت.

<<  <  ج: ص:  >  >>