غنموه الخمس. وفي ذلك إيجاب الخمس فيما أصابه كل واحد منهم. وليس الواحد مجاهد الواحد، يريد بجهاده ما يريد الجيش العظيم بجهادهم، وهو إعادة كلمة الله ولا يملك ما تناله يده حتى يختار ملكه، فإن فيما نغنمه من الخمس ما يكون غنيمة الخمس والله أعلم.
وقد اختلف في الفيء، قيل بخمس. وقيل: لا بخمس. وظاهر القرآن يدل على أنه مخموس، لأن الله عز وجل قال:{ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى، فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل}. ولا خلاف في أن الفيء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن كله لهؤلاء الأصناف الخمسة خاصة. فثبت أن المراد بالآية خمسة، ثم زيد ذلك بيانًا بالآية التي بعدها، قال الله عز وجل:{وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب} أي ليس كالغنيمة، فيكون لهم منه ما يكون من الغنيمة. وشرك بينه وبين ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، وفي الآية الأولى. وهؤلاء هم أهل الخمس، فصح أن المراد بالآية أن الفيء ما أفاء الله تعالى على نبيه بالرعب الذي ألقاه منه في قلوب أعدائه، فقام ذلك الرعب مقام القتال والجيش. ولو أفاء القتال على الجيش مالًا، يكال خمسه للرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل. والأربعة أخماس للجيش. فكذلك إذا أفاء الرعب من النبي صلى الله عليه وسلم مالًا، كان الخمس منه له ولذي قرباه واليتامى والمساكين وابن السبيل، ثم تكون أربعة أخماس خالصة له. هذا ما يقضيه الجمع بين الآيتين وبالله التوفيق.
وإذا وجب أن يكون أداء الخمس من الإيمان، فكذلك إذا كان واحدًا من الجيش ما يصيبه وحده، وإحضاره المغنم وجمعه إلى ما أصابه غير من الإيمان. والغلول فسق واستئثار الواحد بشيء من المغنم دون إذن الإمام، مثل أن يأخذ ثوبًا فيلبسه حتى يبليه، أو دابة حتى يهزلها خيانة أو غلول. ولا يحل لأحد من جملة ما أصاب أو أصابه غيره إلا الطعام والعلف. فإنه إن أصاب منه شيئًا منفردًا به لم يكن ذلك غلولًا. وقد وردت في ذلك أخبار، ومن قبل ذلك فقد قال الله عز وجل:{وما كان لنبي أن يغل}. يعني أن يخان، أي ما حقه الذي له على قومه أن يخونوه. والإشارة في ذلك إلى معنيين: