الصلاة متوالية، فلا انفراد لبعضها عن بعض، فإذا حللها فلا تكون صلاة لأنه قطع تواليها وإزالها عن نظامها، وخالف بذلك ما عقده على نفسه أولًا، ولأنه أحرم بالصلاة ليتبع إحرامها ما يليه شيئًا فشيئًا إلى أن تنقضي الصلاة، فمن خالف ذلك كان ناقضًا لعقده غير مؤت بواجبه.
وإن عقد صومًا مفروضًا أو حجًا مفروضًا ثم أعرض عنه، ولم يأت بما يقتضيه عقده، كان مخالفًا لما أمره الله تعالى به من الإيفاء بالعقود، وكان إثمًا حرجًا. ألا ترى أن الله عز وجل كما خاطب الناس بفرض الصيام، فكذلك خاطبهم بأيمانه بعد الدخول فيه، فقال:{ثم أتموا الصيام إلى الليل}. وكما أوجب عليهم الحج خاطبهم بالإتمام فقال:{وأتموا الحج والعمرة لله}. وما ذلك إلا لأن الشروع في المتقبل من الحط في الإلزام، إلا تمام ما للمتقبل منه في إيجاب الابتداء.
وإذا نذر الرجل طاعة ما، كانت من صلاة أو صيام أو صدقة أو حج أو عمرة أو جهاد أو اعتكاف أو تسبيح أو صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، أو قراءة قرآن، أو سجود، لزمه ذلك كله. والنذر وجهان: أحدهما: أن يوجب شيئًا مما ذكرنا بلا شرط.
والآخر: أن يوجبه معلقًا بحدوث نعمة من الله تعالى يرجوها، فإذا وصل إليها، لزمه أن يوفي بنذره. وأما إذا أوجب ذلك على نفسه، إن هو فعل كذا، أو إن لم يفعل كذا، فهذا يمين خالصة. فإن خالف قوله فعليه كفارة يمين لا تجزية غيرها، وإن أدى ما كان ألزم نفسه لم تسقط الكفارة عنه. هذا قول الصحابة في هذا الباب، وهذا يمين بالله عز وجل لأن قال: إن فعلت كذا، فعل حج أو صلاة أو صدقة أو صيام فإنما منع نفسه مما قاله إلا شيء يلزمه لله في ذمته، فهو كمن قال: والله لا أفعل كذا، وموضع تقرير ذلك والاحتجاج له كتب الأحكام.
وما يبين وجوب النذر قول النبي صلى الله عليه وسلم، قال:(لا تنذروا فإن النذر لا يقدم شيئًا ولا يؤخر، وإنما يستخرج به من البخيل). أي يجعل ما يكون من النذر لأجله